إبليس : الساقط من الملكوت
إبليس : الساقط من الملكوت
بعد أن مُنح الإمتيازات ظن أن بإمكانه أن يكون بعظمة الرب فتمرد على ملكوته ورفض الإمتثال لأوامره فحوكم للأبد يائساً من رحمته فسقط منها ، هذا هو إبليس (لوسيفر) .
على مر تاريخ البشر ظل إبليس متواجداً في ذاكرتهم على إختلاف معتقداتهم ككيان خارق Supernatural Being شديد الذكاء ولا يموت إلا بفناء الكون ، فذكروه بأسماء متعددة ورأوه بأشكال متعددة بعد أن علموا أنه بارع في تحوله الشكلي.
ونظروا إليه كزعيم متكبر لمملكة الظلام إذ بنى عرشه على الماء ليحاكي عرش الرب ويرضي غروره بطقوس تمجده ويقوم بها بعض الجن والإنس فتبذل فيها القرابين على شرفه وفي هذا أيضاً تقليد لبذل الأضاحي لوجه الله.
ويقود إبليس جيشه من الشياطين في مهمة أزلية ترمي إلى إختراق الأنفس وحرفها عن أوامر الله وبالتالي إلقاء أكبر عدد منهم في عذاب الجحيم التي وعده الله فيها وكل من يتبعه ، ولأنه يعلم مسبقاً قدره المحتم في الجحيم أصبح خياره خيار شمشون :” علي وعلى أعدائي” ، وبالطبع كان البشر ألد أعداءه ومايزالون.
وتوالت الرسالات السماوية المتعاقبة وهي تحذر من خطر إغواء إبليس وإتباعه.
مسؤولية الشر
يوصف إبليس في الأديان والحضارات والثقافات العديدة كرمز يجسد قوى الشر، يشترك مجموعة من الناس من مختلفة الديانات بالاعتقاد بالشيطان وربطة بالشر فهناك من يعتقد بكيان خفي وخارقة للطبيعة وقادر على التشكل ولها عقل وفهم وقدرة، وهو خلاف الإنسان وهي سبب الشرور في الحياة ، وهناك من يعتقد أن الشيطان لا يقتصر على كائن خفي فيعتقدون أن بعض البشر شياطين وهناك من يعتقد أن الشيطان هو شيطان العقل.
وأيضا يعتبر إبليس أو الشيطان موقع الضد المعارض للإنسان وهي قوة التعطيل والإفساد والتشويه ، وهو نقيض قوة الخلق والتكوين.
لم يكن لمفهوم الملاك الساقط وجود في اليهودية حيث لم يزدهر مفهوم إبليس إلا خلال فترة الهيكل الثاني إذ يذكر سفر التكوين أن سقوط الإنسان ووقوعه في المعصية كان بسبب الحية التي زينت للمرأة أن تأكل من شجرة معرفة الخير والشر المنهي عنها فأكلت وأعطت آدم فأكل منها ، ولما أكلا انفتحت أعينهما كما أخبرتهما الحية وبدت لهم سوآتهما واكتشفا أنهما عاريان فبدآ يصنعان لأنفسهما ثوباً من ورق التين ليسترا عوراتهما وكانت عاقبة تعديهما أن أخرجهما الله من الجنة إلى عالم الألم والشقاء والموت، ولا يوجد في اليهودية صلة بين خروج آدم من الجنة والشيطان حيث كان سبب خروجهما كما ذكر آنفاً.
– ويمثل إبليس (لوسيفر) في “أسفار الكتابات ” وفي كتاب ” ابو كريفا ” اليهودي بأنه هو الذي جلب الموت إلى العالم، كما أنه يمثل بقبض الروح. أقرا عن قابض الروح عزرائيل.
– وذكر في “أسفار الكتابات ” وفي كتاب ” اينوخ” أن الله اختار أحد الملائكة ليكون سبباً في إبتلاء إبراهيم من خلال التضحية بابنه إسحق (بحسب المعتقد التوراتي) ولهذا كانت صفات هذا الملاك مطابق لصفات إبليس (لوسيفر) التي ذكرت بالأديان الأخرى حيث أن “إبليس” باليهودية أو عزازيل يظهر كملاك تحت قيادة من الله .
– وترد كلمة “إبليس” الشيطان في التناخ باللغة العبرية بعدة معان فتأتي بمعنى “المقاوم” وترد بمعنى “الخصم” وتظهر كلمة “إبليس” كتمثيل لشيطان في العهد القديم في سفر أيوب وزكريا وسفر أخبار الأيام الأول كما أنه يظهر كملاك مهلك في سفر صموئيل .
– يعتقد بعض اليهود أن إبليس دائماً يكون تابع لكلمة الله وأن له دور في الخطة الإلهية وأن الملائكة لا تخرج عن أمر الله.
– ورفضت حاخامات اليهود في العصور الوسطى أعمالاً مبنية على الشريعة التوراتية لأنها تروج لمفهوم مفاده أن إبليس ملاك ساقط ، فحاولت استئصال إعتقاد الملائكة الساقطة ورفضت أي اعتقاد في تمرد الملائكة وقالوا أن الشر عارض مجرد.
– وفي التصوف اليهودي و الكابالا يقدم” إبليس” وكيلاً تتمثل مهمته في إغواء أي شخص لفعل الخطيئة .
– يعتقد اليهود بضرورة تقديم عنزين في يوم” التكفير الإسرائيلي” أحدهما لله والآخر “لعزازيل” أو “لإبليس” مثل ما ورد عندهم في التوراة : ” ويلقى هارون على التيسين قرعتين قرعة لرب وقرعة لعزازيل ويقرب هارون التيس الذي خرجت عليه قرعة لرب ويعمله ذبيحة خطية وأما التيس الذي خرجت عليه القرعة لعزازيل فيوقف حياً . أمام الرب ليكفرعنه ليرسله إلى عزازيل إلى البرية ” – (سفراللاويين – 16).
– وورد في بعض كتب اليهود مثل كتاب ” الزوهر” وكتاب ” التلمود البابلي” أن لإبليس زوجة أسمها ” ليليث” كانت في السابق زوجة لآدم إلا أنها رفضت الخضوع لآدم لأنها لم خلقت كما خلق آدم خلقاً مستقل خلافاً لحواء التي خلقت من ضلعه ، فتمردت ليليث على آدم وأصبحت تابعه لإبليس وكانت تنجب منه في اليوم 100 طفل . اقرأ عن أسطورة ليليث : الأنثى المتمردة.
يعتقد المسيحيون أن إبليس (لوسيفر) كائن روحي له سلطة على زمرة من الكائنات الروحية النجسة الخاضعة له وهم أتباعه من الشياطين وبحسب هذا المعتقد كان إبليس من ملائكة الله وبلغ مرتبة بين الملائكة وأصبح يوصف بـ “حامل النور” وهذا هو أصل اسم لوسيفر وهو من الأسماء الرئيسية لإبليس وقد ذكر في سفر أشيعاء 14-12 : ” يعطي إبليس اسماً قبل السقوط وهو لوسيفر “.
ولكنه بسبب غروره وكبريائه سقط من المجد الذي كان فيه وتمرد هو ومجموعة من الملائكة الموالين له ثم تحولوا إلى أروح نجسة حيث اعتقد إبليس أنه يستطيع أن يصير مثل الإله كما ذكر في الكتاب المقدس أنه قال : ” أصعد فوق السحاب أصير مثل العلي ” (أشعيا 14 :13-15)
– ويعتقد المسيحيون بقدرة تشكل ” إبليس ” حيث قال بولس الرسول الثاني في رسالة إلى أهل كورنثوس : ” لا عجب. لأن الشيطان نفسه يغير شكله إِلَى شبه ملاك نور ” ، وهنا يخبرنا بولس أن إبليس له قدرة على التشكل حتى لو كان على شكل ملاك أو كان صالح.
– ولا يعتقد المسيحيون أن إبليس كائن مختلف عن الملائكة كم في بعض الديانات الأخرى مستدلين على العهد الجديد حيث ورد فيه : ” وكان الشيطان في الأصل من الملائكة ولكن بسبب غروره وكبريائه سقط من المجد الذي كان فيه جارا معه مجموعة من الملائكة الموالين له لتتحول إلى أرواح نجسة حيث اعتقد أن يستطيع أن يصير مثل الإله ” ( متى 9- 34 ).
– يعتقد المسيحيون أنه بعد سقوطه لم يفقد القوة الملائكية التي كان يتمتع بها فقدراته أقوى بكثير من قدرات الإنسان العادي ، ولديه ملكات عقلية كالإدراك والتمييز والتذكر وأحاسيس مختلفة كالخوف والألم و الاشتهاء كما أنه يمتلك القدرة على الاختيار.
– وكثيراً ما يوصف الشيطان بأنه الثعبان الذي أقنع حواء من الأكل من الشجرة المحرمة حيث أراد أن يوقع الإنسان بنفس خطيئة التمرد التي أسقطته ، ولهذا كثيراً ما يصور الشيطان في شكل ثعبان رغم أنه لم يحدد الكتاب المقدس على وجه الخصوص إن كان الشيطان هو نفسه الثعبان الذي أغرى حواء ولا نجد ذلك إلا في ” كتاب الوحي” أخر كتب العهد الجديد حيث قال الكتاب : ” الذي يعرف على وجه التحديد الشيطان بأنها الثعبان ” (رؤيا 2-20 )
– في سفر الرؤيا يشير مرتين إلى “التنين” الحية القديمة (كان الماء فقط وقبل خلق الكون) ، الذي يفسره البعض بأنه” إبليس” ، كما أن كتاب الوحي يشير إلى “المخادع الكبير” والذي يعتقد أن المقصود فيه إبليس الذي قام بخداع حواء وآدم لعمل الخطيئة الأولى .
– ووفقاً لمعظم المسيحيين المؤمنين بالآخرة يعتقدون بأن إبليس سيشن حرب ضد السيد المسيح، قبل أن يلقى في جهنم مستدلين بسفر الرؤيا الذي قال” ويل لساكني الأرض والبحر ، لأن إبليس نزل إليكم وبه غضب عظيم ، عالما أنه له زمانا قليلا ” (الرويا 12 -12)
– وهناك بعض آباء الكنيسة إلى وقت مبكر يصلون من أجل توبة إبليس في نهاية المطاف .
– ويعتقد أتباع السبتية أن المجيء التالي ليسوع ستكون ملازمة لإبليس لألف سنة ثم تحدث معركة “هرمجدون” المواجهة النهائية بين الخير والشر وسيتم فيها تدمير إبليس وأتباعه مره وإلى الأبد وستطهر الأرض من كل الشر وهناك سيكون سماء جديدة وأرض جديدة وتنتهي الخطيئة (إقرأ عن : نهاية العالم في المعتقدات الدينية) .
– ويعتقد الكاثار أن هناك اثنين من الآلهة إحداهما من النور والآخر من الظلام و يعتقد أتباع هذه الطائفة أن إبليس هو الذي خلق العالم المادي وجعل المادة كلها شر بما في ذلك الصليب الذي مات عليه المسيح كما يزعمون.
– ويعتقد قديسو الأيام الأخيرة في المورمونية أن إبليس كائن حقيقي ، وهو ابن روح الله الذي لدية سلطة ملائكية , ولكنه تمرد وسقط قبل خلق الأرض في حياة سابقة ، كما أن إبليس يحاول امتلاك أنفس البشر لجعلهم بائسين كما هو حال إبليس .
– ويعتقد بعض المسيحيين أن محاكمة إبليس انتهت وهو في جهنم الآن مستدلين على هذا بالنص : ” وبسبب تمرد الشيطان أمر الله بطرده مع أتباعه إلى جهنم بقيود في الظلام محروسة من الملائكة ” (أفسس8-12) ، وذكر هذا بعض علماء المسيحيين حيث قالوا أن وجود الشيطان في الجحيم له جذور في الأدب المسيحي وليس في الكتاب المقدس ، ويفترض بعض المسيحيين أنه لا يزال يطوف السماء والأرض.
– وينظر بعض المسيحيين لإبليس زعيم الشياطين في الكتاب المقدس على أنه يشير لتعبير مجازي لخطيئة الإنسان والإغراء ومعارضة الله.
– ويعتقد بعض المسيحيين كما يعتقد اليهود بأن ملك الموت هو إبليس الذي جلب الموت إلى العالم مستدلين على ما ذكر في العهد القديم ” ” بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم ” الحكمة 2: 24
– وهناك عدد من الصلوات والممارسات موجودة داخل الكنيسة الكاثوليكية ضد إبليس وتتضمن الربانية التماس تحفظهم من شره .
في العهد القديم
لا يوجد ذكر كثير لإبليس في كتاب العهد القديم لأن التركيز الأكبر كان دوما موجها نحو الإله الواحد كما ذكر في سفر صموئيل ولكن الله قد توعد بالعهد القديم بأن القادم من نسل المرأة سوف يسحق إبليس حيث يعتقد أنها إشارة لقدوم المسيح من نسل امرأة وليس من نسل رجل حيث تؤمن المسيحية بأن المسيح ليس له أب بشري ، ويسوع سحق إبليس تحت أقدامه بعمله الكفري، بينما يترصد إبليس في كل حين المؤمنين بالمسيح ليأخذهم معه إلى الهلاك.
– في سفر التكوين أول كتب العهد القديم يظهر إبليس متخفيا بهيئة حية في فردوس عدن ليجرب أم الجنس البشر حواء فيصف الكتاب المقدس الحية بأنها ” أحيل جميع حيوانات البرية” (التكوين3-1) , حيث قالت الحية لأدم وحواء أذا أكلتم تلك الثمرة تصيران عارفين الخير والشر كما الله ، وقد استعمال إبليس الخطيئة ذاتها التي كانت سبب في سقوطه وكبريائه , وبعد أن سقطت حواء وزوجها بالتجربة عاقبهم الله بأن طردهم من فردوسه إلى أرض الشقاء كما عاقب الحية فلعنها من بين جميع مخلوقاته وأعطى الرب وعده للبشر ووعيده للحية فقال ” وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها هو يستحق رأسك وأنت تسحقين عقبه” (التكوين3-15).
– وفي سفر إشعياء نجد صورة رمزية للشيطان والذي دعي بـ ” زهرة بنت الصبح قاهر الأمم الذي اعتقد أنه يستطيع أن يسمو بمجده إلى مجد الله فيصير مثل العلي و وهكذا كان سبب سقوطه إلى أسافل الأرض ” .
– وذكر سفر حزقيال سقوط إبليس بصورة رمزية أيضا يكون فيها ملك صور فيتكلم الرب إلى نبيه حزقيال بشيء من الأسف ليرفع مرثاة على الملك الذي كان خاتم الكما بين أعيانه وملآن بالحكمة والجمال وكان يقيم في جنة عدن وحظي بنعمة الله بأنه كان من الملائكة المقربين حتى وجد فيه إثم فطرحه الرب إلى الأرض ليعاقبه على نجاسته ويتوعده بأنه سيخرج نارا من وسطه لتأكله.
إبليس وأيوب
يظهر الشيطان مجددا في سفر أيوب بهيئة المشتكي على المؤمنين في محضر الرب حيث يتحدى الله بأنه إن أوقف نعمة عن أيوب فإن الأخير سوف يجدف عليه سريعاً، فيسمح الله لإبليس بأن يجرب أيوب إلى حين ولكنه بشرط أن لا يميته (أيوب1 :6-12)
إبليس ويسوع
يخبرنا العهد الجديد أن مسيرة حياة المسيح على الأرض كحرب موجهة ضد شرور العالم كثرت فيها مواجهات يسوع المباشرة مع الأرواح النجسة ومع سيدها إبليس نفسه فقبل أن يباشر المسيح التبشير بين الناس ذهب إلى البرية ليصوم أربعين يوما وأربعين ليلة وبعدها جاءه إليه إبليس ليجربه فهزمه يسوع كما ذكر إنجيل( لوقا 4-13 ) : ” ورجع يسوع من الأردن وهو ممتلئٌ من الروح القدس، فكان يقوده الروح في البرية أربعين يوماً، وإبليس يجربه، ولم يأكل شيئاً في تلك الأيام. فلما انقضت أحسّ بالجوع ” ، فقال له إبليس: “إن كنت ابن الله، فمر هذا الحجر أن يصير رغيفاً” ، فأجابه يسوع : ” ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان “.
فصعد به إبليس، وأراه جميع ممالك الأرض في لحظةٍ من الزمن، وقال له: ” أوليك هذا السلطان كلَّه ومجد هذه الممالك، لأنه سُلِّم إليَّ وأنا أوليه لمن أشاء. فإن سجدت لي، يعود إليك ذلك كله”. فأجابه يسوع: ” مكتوبٌ: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد “.
فمضى به إلى أورشليم، وأقامه على شرفة الهيكل وقال له : ” إن كنت ابن الله، فألقِ بنفسك من ههنا إلى الأسفل، لأنه مكتوبٌ: يوصي ملائكته بك ليحفظوك، ومكتوبٌ أيضاً: على الأيدي يحملونك لئلا تصدم بحجرٍ رجلك “.
فأجابه يسوع: ” لقد قيل: لا تجربنَّ الرب إلهك ” ، فلما أنهى إبليس جميع ما عنده من تجربة، انصرف عنه إلى أن يحين الوقت.
يعتبر إبليس في المعتقد الإسلامي كبير الشياطين وهو من الجن العابدين لله في الأرض وبسبب عبادته لله كرمة الله ورفعة في الملأ الأعلى (الملكوت) ولكن عصى آمر الله بامتناعه عن السجود لآدم كما يطلق اسم “شياطين” على الذين يسلكون سلوك الشيطان من البشر، والشيطان هو عدو الإنسان الدائم ، ويعتبر المسلمون إبليس عدوهم الأول لأنه سبب إخراج آدم وحواء من الجنة.
أصل كلمة ” إبليس “
يعتقد أن أصل كلمة إبليس في اللغة العربية هو من فعل “بلس و ابلس” بمعنى طرد أو انقطعت حجته أو يئس وتحير و الإبلاس هو الشر , ولكن العديد من اللغويين يجمع على أن معنى الفعل هو ” يئس” وبالتالي يكون المعنى ” الذي يئس من رحمة الله.
عرف إبليس أو الشيطان في جميع الحضارات القديمة و العقائد الدينية و أساطير الأولين,بأسماء مختلفة تتفق جميعها في الدلالة على الشر وعلى المعصية والاستكبار.
صفات إبليس
يعتقد المسلمون أن إبليس خلق من نار كسائر الجن وكان يعبد الله مع جملة الملائكة إلا أنه كان يخفي نزعته إلى التمرد والعصيان حتى أمره الله بالسجود لآدم مع الملائكة فأبى وأستكبر على أمر خالقه وكان سبب عصيانه الكبر الذي حوله إلى شيطان ولكن بعد طردة من رحمة الله طلب إبليس من الله أن يكون من المنظرين فاستجاب الله لطلبه ، وذكر ذلك في القرآن الكريم و بأن إبليس طلب أن يكون من المنظرين حتى يغوي بني آدم ، ويهلكون .
– وقد نسب إلى إبليس صفات الخيلاء والكبر والعصيان والتمرد والكراهية والباطل والخبث والخداع وغيرها, وكانت معرفته فاتحة التمييز بين الخير والشر, بوصفهما مفهومين أخلاقيين أقامهما الفكر النظري مستنداً إلى الدين التوحيدي الذي يعتبر إبليس رمز الشر في العالم .
تجسد إبليس
يعتقد المسلمون بأن إبليس قادر أن يتجسد في صورة إنسان أو حيوان بسبب تركيبة جسده المخلوق من نار .
– قال الكاتب محمد عيسى داود أن إبليس يستطيع أن يتشكل على أي هيئة لأنه من الجن وأن قدرة التشكل خاصة للجن المتمرسين أي ليس جميعهم ومدة التشكل على هيئة أخرى ربما لا تزيد عن 4 دقائق.
قصة إبليس في التراث
هناك قصة من التراث الإسلامي وغير متحقق من مصداقيتها إذ لم ترد في القرآن الكريم أو في الأحاديث الصحيحة وقد تكون مجرد أسطورة والقصة تتناول أصل الجن وسيرة إبليس وورد ذكرها في كتاب البداية والنهاية لابن كثير كما يلي :
قال ابن عباس : خلق الله عز وجل (سوميا) أبو الجن قبل خلق آدم عليه السلام بألفي عام وقال الله لسوميا : ” تمن ” ، فقال سوميا: ” أتمنى أن نرى ولا نُرى وأن نغيب في الثرى وأن يكون كهلنا شاباً ” ، ولبى الله عز وجل لسوميا أمنيته وأسكنه الأرض له ما يشاء فيها ، قال تعالى : ” إنه يراكم هو و قبيلة من حيث لا ترونهم ” (الأعراف – 27).
وهكذا كان الجن أول من عبد الرب في الأرض لكن أتت أمة من الجن بدلاً من أن يداوموا الشكر لله على ما أنعم عليهم من النعم، فسدوا في الأرض بسفكهم للدماء فيما بينهم وأمر الله جنوده من الملائكة بغزو الأرض لاجتثاث الشرّ الذي عمها وعقاب بني الجن على إفسادهم فيها وغزت الملائكة الأرض وقتلت من قتلت وشردت من شردت من الجن وفرّ من الجن نفر قليل، اختبئوا بالجزر وأعالي الجبال وأسر الملائكة من الجن إبليس الذي كان حينذاك صغيراً، وأخذوه معهم للسماء.
وكبر (إبليس) بين الملائكة، واقتدى بهم بالاجتهاد في الطاعة للخالق سبحانه وأعطاه الله منزلة عظيمة بتوليته سلطان السماء الدنياوخلق الله أبو البشر آدم وأمر الملائكة بالسجود لـ آدم، وسجدوا جميعاً طاعةً لأمر الرب، لكن (إبليس) أبى السجود , وبعد أن سأله الرب عن سبب امتناعه قال: ” أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين ” – (الأعراف – 12 ).
وطرد الله إبليس من رحمته، عقاباً له على عصيانه وتكبره وبعد أن رأى إبليس ما آل إليه الحال، طلب من الرب أن يمد له بالحياة حتى يوم البعث، وأجاب الرب طلبه ثم أخذ (إبليس) يتوعد آدم وذريته من بعده بأنه سيكون سبب طردهم من رحمة الله.
– ذكر في كتاب ابن كثير عن الثعالبي عن ابن عباس : أن إبليس كان من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم ، وخلقت الملائكة من نور وكان اسمه بالسريانية ” عزازيل ” و بالعربية ” الحارث ” فكان من خزان الجنة ، وكان رئيس ملائكة السماء الدنيا ، وكان له سلطانها وسلطان الأرض ، وكان من اشد الملائكة اجتهادا و أكثرهم علما ، وكان يسوس ما بين السماء والأرض ، فرأى بذلك لنفسه شرفا وعظمه فذلك الذي دعاه إلى الكفر فعصى الله فمسخه شيطانا رجيما .
– قال الغزالي في كتاب “مكاشفة القلوب ” أن إبليس كان اسمه في السماء الدنيا : العابد ، وفي الثانية الزاهد ، وفي الثالثة العارف ، وفي الرابعة الولي ، وفي الخامسة التقي ، وفي السادسة الخازن ، وفي السابعة عزازيل ، وفي اللوح المحفوظ : إبليس وهو غافل عن عاقبة أمره ، فأمره الله أن يسجد لآدم فقال : أتفضله علي وأنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ، فقال تعالى أنا افعل ما أشاء فرأى لنفسه شرفا ، فولى آدم ظهره أنفه .. وكبرا وانتصب قائما إلى أن سجدت الملائكة المدة المقدرة, فلما رفعوا رؤؤسهم ورأوه لم يسجد وهم وقفوا للسجود سجدوا ثانيا شكرا، وهو قائم يرى معرضا عنهم غير عازم على الإتباع ولا نادم على الامتناع ، فمسخه الله من الصورة البهية ، فنكسه كالخنزير ، وجعل رأسه كرأس البعير وصدره كسنام الجمل الكبير ووجهه بينهما وجه القردة ، وعينيه مشقوقتين في طول وجهه ومنخريه مفتوحتين ككوز الحجام وشفتيه كشفتي الثور ، وأنيابه خارجة كأنياب الخنزير ، وفي لحيته سبع شعرات وطرده من الجنة بل من السماء بل من الأرض إلى الجزائر فلا يدخل الأرض إلا خفية ولعنه الله تعالى إلى يوم الدين لأنه صار من الكافرين .
– قالوا بعض الناس فلما أراد الله خلق آدم، ليكون في الأرض هو وذريته من بعده، وصور جثته منها، جعل إبليس، وهو رئيس الجان، وأكثرهم عبادة آنذاك ، وكان اسمه عزازيل، فصار يطوف به، فلما رآه أجوف، عرف أنه خلق لا يتمالك.
وقال: أما لئن سلطت عليك لأهلكنك، ولئن سلطت علي لعصينك، فلما أن نفخ الله في آدم من روحه كما سيأتي، وأمر الملائكة بالسجود له، دخل إبليس منه حسد عظيم، وامتنع من السجود له, وقال: أنا خير منه، خلقتني من نار، وخلقته من طين , فخالف الأمر واعترض على الرب عز وجل، وأخطأ في قوله، وابتعد من رحمة ربه، وأنزل من مرتبته، التي كان قد نالها بعبادته، وكان قد تشبه بالملائكة، ولم يكن من جنسهم لأنه مخلوق من نار، وهم من نور, فخانه طبعه في أحوج ما كان إليه، ورجع إلى أصله النار كما قال تعالى : ” وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ” ( الكهف – 50).
– قال كثير من علماء التفسير: أن أصل إبليس من الجن الذين خلقوا قبل آدم عليه السلام، وكان يسكن قبل الجن في الأرض البن ،ولكن نشروا البن الفساد في الأرض فسلط الله الجن عليهم فقتلوهم ، وأجلوهم عن الأرض ، وأبادوهم منها، وسكنوا الجن الأرض بعدهم , ففعل الجن ما فعل البن قبلهم فأرسل الله عليه ملائكة و أهلكتهم وأسرت إبليس لأنه كان صغير فعاش إبليس عابد لله وصالح في السماء حتى خلق أدم.
– وذكر السدي في (تفسيره) عن أبي مالك، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله : لما فرغ الله من خلق ما أحب، استوى على العرش، فجعل إبليس على ملك الدنيا، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن، وإنما سموا الجن لأنهم خُزان الجنة. وكان إبليس مع ملكه خازنًا، فوقع في صدره إنما أعطاني الله هذا لمزية لي على الملائكة.
– وذكر الضحاك عن ابن عباس: أن الجن لما أفسدوا في الأرض، وسفكوا الدماء، بعث الله إليهم ملك من الملائكة يدعى إبليس ومعه جند من الملائكة، فقتلوهم، وأجلوهم عن الأرض، إلى جزائر البحور.
– وقال محمد بن إسحاق، عن خلاد، عن عطاء، عن طاوس، عن ابن عباس، كان اسم إبليس قبل أن يرتكب المعصية عزازيل، وكان من سكان الأرض، ومن أشد الملائكة اجتهادًا، وأكثرهم علمًا، وكان من حي يقال لهم الجن.
– وروى ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير، عنه، كان اسمه عزازيل، وكان من أشرف الملائكة من أولى الأجنحة الأربعة.
– وقد أسند عن حجاج، عن ابن جريج قال ابن عباس: كان إبليس من أشرف الملائكة، وأكرمهم قبيلة، وكان خازنًا على الجنان، وكان له سلطان سماء الدنيا، وكان له سلطان الأرض.
– وقال صالح – مولى التوأمة – عن ابن عباس: كان إبليس يسوس ما بين السماء والأرض، رواه ابن جرير. –
وقال قتادة، عن سعيد بن المسيب: كان إبليس رئيس ملائكة في سماء الدنيا.
– وقال الحسن البصري: لم يكن من الملائكة طرفة عين، وأنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل البشر.
– وقال ابن جرير عن شهر بن حوشب، وغيره: كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة، فأسره بعضهم، وذهب به إلى السماء.
مكان تواجد إبليس
فقد روى الإمام أن مسلم في صحيحة من حديث قال :جابر – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة “.
– قال ابن كثير في كتاب البداية والنهاية: وله عرش على وجه البحر وهو جالس عليه ويبعث سراياه يلقون بين الناس الشر والفتن ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد ما ترى قال أرى عرشا على الماء. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اخسأ فلن تعدو قدرك، فعرف أن مادة مكاشفته التي كاشفه بها شيطانية مستمدة من إبليس الذي هو يشاهد عرشه على البحر، ولهذا قال له أخسأ فلن تعدو قدرك أي لن تجاوز قيمتك الدنية الخسيسة الحقيرة.
– وقد زعمت بعض الكتب أن مكان إبليس هو مثلث برمودا حيث يعتقد أن سبب الاختفاء الغامض في منطقة برمودا هو قربها من قاعدة “إبليس” اقرأ عن : حكاية مثلث برمودا
قصة إبليس مع نوح
روى أبو الفرج ابن الجوزى بسنده : ــ عن بن عمر رضي الله عنهما قال : لما ركب نوح عليه السلام في السفينة رأى فيها شيخاً لم يعرفه فقال نوح : ـــ ما أدخلك ؟
قال : دخلت لأصيب قلوب أصحابك فتكون قلوبهم معي وأبدانهم معك.
فقال نوح عليه السلام : أخرج يا عدو الله.
فقال إبليس: خمس أهلك بهن الناس وسأحدثك منهن بثلاث ولا أحدثك باثنتين ..
فأوحى الله تبارك وتعالى إلى نوح عليه السلام أنه لا حاجة لك في الثلاث مره يحدثك بالاثنتين فقال : بهما أهلك الناس الحسد والحرص فبالحسد لعنت وجعلت شيطاناً رجيماً وبالحرص أبيحت لآدم الجنة كلها فأصبت حاجتي منه فأخرج من الجنة من مداخل الشيطان :الحرص على الدين.
قصة إبليس مع أيوب
قال ابن أبي حاتم في تفسيره حدثنا موسى ابن إسماعيل حدثنا حماد أنبأنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن الشيطان قال يا رب سلطني على أيوب .
قال الله قد سلطتك على ماله وولده ، ولم أسلطك على جسده ، فنزل وجمع جنوده فقال لهم قد سُلطت على أيوب فأروني سلطانكم ، فصاروا نيرانا ثم صاروا ماء فبينما هم بالمشرق إذا هم بالمغرب ، وبينما هم بالمغرب إذا هم بالمشرق فأرسل طائفة منهم إلى زرعه وطائفة إلى إبله وطائفة إلى بقره وطائفة إلى غنمه.
وقال إنه لا يعتصم منكم إلا بالصبر فأتوه بالمصائب بعضها على بعض فجاء صاحب الزرع فقال يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على زرعك نارا فأحرقه ثم جاء صاحب الإبل فقال له يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على غنمك عدوا فذهب بها ، وتفرد هو لبنيه فجمعهم في بيت أكبرهم، فبينما هم يأكلون ويشربون إذ هبت الريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم فجاء إبليس إلى أيوب بصورة غلام في أذنيه قرطان.
قال: يا أيوب ألم تر إلى ربك جمع بنيك في بيت أكبرهم فبينما هم يأكلون ويشربون إذ هبت ريح فأخذت بأركان البيت فالقته عليهم ، فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم بطعامهم وشرابهم.
فقال أيوب له وأين كنت أنت ؟
قال :معهم
قال: وكيف أنفلت ؟
قال انفلت؟
قال: أيوب أنت إبليس , ثم قال أيوب أنا اليوم كهيئتي يوم ولدتني أمي ، فقام فحلق رأسه ثم قام يصلي فرنَّ إبليس رنة سمعها أهل السماء وأهل الأرض ثم قرح إلى السماء فقال أي رب إنه قد أعتصم ، فسلطني عليه فإني لا أستطيعه إلا بسلطانك ،
قال: قد سلطتك على جسده ولم أسلطك على قلبه .
قال: فنزل فنفخ تحت قدميه نفخة فرج مابين قدميه إلى قرنه فصار قرحة واحدة والقي على الرماد حتى بدا بطنه ، فكانت امرأته تسعى عليه حتى قالت له أما تر يا أيوب قد والله نزل بي من الجهد والفاقة ما أن بعت قروني برغيف فأطعمتك فادع الله أن يشفيك .
قال: ويحك كنا في النعماء سبعين عاماً فاصبري حتى نكون في الضراء سبعين عاماً فكان في البلاء سبع سنين ,وبعد زمن من الابتلاء و الصبر دعاء أيوب ربها كما قال تعالى ((وذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب)) ص41 , ثم أذن الله أن يكشف عن أيوب البلاء قال تعالى ((اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب)) ص 42 , فعادت إليه صحته ونما الزرع من حوله حتى أن زوجته لم تعرفه عندما رأته وسألته هل رأيت نبي الله أيوب فقال لها أنا أيوب فعجبت زوجته وفرحت برحمة الله ثم قال لزوجته : اغتسلي من هذا الماء, حتى عاد لها شبابها كما كان , وبعدها رزقه الله بنين و أحفادا، حينها آمن الناس وأيقنوا أن أيوب نبي الله وأن ما مر به ابتلاء ليكافئه الله جزاء صبره وعاش مرة أخرى مع زوجته وأولاده في خير وهناء كما كانا قبل الابتلاء في سعادة وهناء.
قصة إبليس مع سليمان
كان لنبي سلميان ملك عظيم لم ينبغي لأحد من قبلة وكانت الجن والإنس مسخرة له بإذن الله , فانتشر السحر بزمنه وتركوا الناس كتاب الزبور حيث اتبعوا ما ألقت الشياطين إليهم من كتب السحر وتعاليمه .
فبعث النبي سليمان بعض جنوده وجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق, ووضعها تحت كرسيه , حيث لا يجرا أحد على الاقتراب من كرسيه , وقال سلميان: لا , اسمع أحداً يذكر أن الشياطين يعلمون الغيب إلا ضربت عنقه.
ولما توفي سلميان تمثل إبليس في صورة إنسان , ثم أتى جماعة من بني إسرائيل فقال لهم: هل أدلكم على كنز لا ينفذ بالأخذ منه ؟ قالوا :نعم , قال:” أن سلميان لم يكن نبياً إنما كان ساحراً , فاحفروا تحت كرسيه ” فاعترض بعض الناس وغضبوا , وقالوا :”بل كان سلميان نبياً مسلماً مومناً”
ثم عاد إبليس لتنزين الشر فوسوس للكفار من بني إسرائيل ممن صدقوا كلامه, وذهب معهم وأراهم المكان ووقف ، فقالوا له :”اقتربْ يا هذا”، فقال: “لا، ولكنني ها هنا بين أيديكم، فإن لم تجدوا الصندوق فاقتلوني”، -لم يقترب إبليس حتى لا يحرقه الكرسي- و حفر الناس فوجدوا الصندوق وأخرجوا تلك الكتب. فلما أخرجوها قال إبليس اللعين :”إن سليمان إنما كان يضبط الإنس والشياطين والطيرَ بهذا السحر”، فقال الكفار: “لقد كان سليمان ساحرًا، هذا سِحرهُ، به كان يأمرنا و به يقهرن”, فحقق إبليس غايته في ممارسة السحر .
قصة إبليس مع موسى
ذكر السيوطي في كتاب ” الدر المنثور” عن ابن عمر قال: لقي إبليس موسى فقال: يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وكلمك تكليماً , إذا تبت، وأنا أريد أن أتوب فاشفع لي إلى ربي أن يتوب علي، قال موسى: نعم، فدعا موسى ربه فقيل: يا موسى قد قضيت حاجتك ، فلقي موسى إبليس، قال: قد أمرت أن تسجد لقبر آدم ويتاب عليك، فاستكبر وغضب وقال: لم أسجد له حياً أسجد له ميتاً…؟ ثم قال إبليس: يا موسى إن لك علي حقاً بما شفعت لي إلى ربك، فاذكرني عند ثلاث لا أهلكك فيهن: اذكرني حين تغضب فإني أجري منك مجرى الدم، واذكرني حين تلقى الزحف فإني آتي ابن آدم حين يلقى الزحف فأذكره ولده وزوجته حتى يولي، وإياك أن تجالس امرأة ليست بذات محرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها.
معارك إبليس مع الإنسان
– بعد وفاة ادم وحواء ظهر إبليس وجنده من شياطين الجن والمردة والغيلان للعلن ليبسطوا نفوذهم على الحياة في الأرض , ولكن شاء الله أن ينصر جيش الأنس على الجيش إبليس على يد رجل اسمه مهلاييل , ونسبه : مهلاييل بن قينن بن انوش بن شيث عليه السلام بن ادم.
وكان مهلاييل أسس مدينتين محصنتين هما مدينة بابل و مدينة السوس الأقصى ليحتمي بها الإنس من الجن .ثم أسس الجيش الإنس الذي هو أول جيش عرفته البشرية.
وقامة معركة رهيبة بين جيش مهلاييل و جيش إبليس انتصر فيها الإنس و قتل بها المردة والغلان وعدد كبير من الجن وفر إبليس ومن نجئ معه من المواجهة.
– أشتهر في كتب التفسير والسيرة أن إبليس كان حاضراً في معركة بدر وأنه تشكل على صورة “سراقة بن مالك” ويذكر ذلك في تفسير قولة تعالى : ” وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ” (الأنفال – 48).
عن ابن عباس قال: جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه رأيته في صورة رجل من بني مدلج على صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال إبليس للمشركين : لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما اصطف الناس أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين فولوا مدبرين .
وأقبل جبريل إلى إبليس فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده فولى مدبرين هو وشيعته فقال الرجل : ” يا سراقة تزعم أنك لنا جار ؟ ” ، قال: كما قال تعالى في كتابه : ” إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ” ، وذلك حين رأى الملائكة .
صورة الشيطان
يتحدث محمد متولي شعراوي (1911-1998) في هذا اللقاء التلفزيوني عن صورة الشيطان في المعتقد الإسلامي ، وهو عالم دين ووزير أوقاف مصري سابق ومن أشهر مفسري القرآن الكريم في العصر الحديث :
موت إبليس
يعتقد الكثير من الناس أن الشر دائم مادام الخير موجود ، وأن الحياة تستمر بوجود الأضداد التي هي أساس الفيزياء .
– قال ابن عباس في قوله تعالى : ” رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ” ، أن النفخة الأولى يموت فيه إبليس وبين النفخة والنفخة أربعون سنة فيموت إبليس أربعين سنة .
– كثير من العلماء اختلفوا في قولة تعالى “إلى يوم الوقت المعلوم” فمنهم من قال أنه يوم البعث ومنهم من قال أنه أجل إبليس المكتوب.
– مما نقل عن كعب الأحبار أن إبليس في أخر الزمان تضيق فيه كل سبل محاولات الهرب من الموت فيتوجه إلى قبر آدم عليه السلام ويقول له : ” ليتك لم تخلق ، عندها يكون الملاك ميكائيل عليه السلام وملائكته يحملون من سلاسل جهنم فيأتي ملك الموت لينزع روحه وهناك من يقول أنه يموت ساجداً عند قبر آدم ثم يبعث الله آدم وحواء لينظروا إليه ويقولان : ” الحمد الله ، أتممت نعمتك يا رب ” .
طاووس الملائكة
ورد في كتب بعض السلف أن إبليس يلقب بطاووس الملائكة لأنه كان خلق مختاراً , وكان يزهو باختياره لطاعة الله ولأنه تفوقه بالعلم قبل أن يقوده تكبره إلى الكفر والمعصية وكان من خزنة الجنة وقد علق على ابن كثير فقال: ” رُوي في هذا آثار كثيرة عن السلف وغالبها من الإسرائيليات التي تُنقل لينظر فيها والله أعلم بحال كثير منها ، ومنها ما قد يُقطع بكذبه لمخالفته للحق الذي بأيدينا”.
– ويتخذ اليزيديون طاووس الملائكة شعار ديني لهم حيث يعتقدون أن إبليس رئيس الملائكة وأول الموحدين لأنه رفض السجود لآدم.
عبادة إبليس (حامل النور)
تعتبر الشيطانية التقليدية أو الشيطانية الروحية هي شكل من أشكال عبادة إبليس وتمجيده والإعجاب به وللشيطانية عقيدة وطقوس ويعتقد أفرادها بأن الشيطان هو الإله الفعلي أو القوة التي يجب أن تبجل أو تعبد ، وتشمل الخصائص الأخرى للشيطانية : الاعتقاد في السحر والإيمان في الشيطان وإقامة الطقوس وبذل القرابين له.
وإبليس هو حامل النور (معنى كلمة لوسيفر) في نظر مجمع النورانيين وقد أنشئ هذا المجمع لتنفيذ الإيحاءات التي يتلقاها كبار الرهبان من لوسفير خلال طقوسهم الخاصة حيث يتكون المجلس الأعلى النوراني من 13 عضواً ويزعم كبار أعضائها بامتلاكه للمعرفة السامية فيما يتعلق بشؤون الدين والعقائد والاحتفالات والطقوس.
وقد انتشرت عبادة الشيطان المتجسدة في شخص إبليس في أوروبا في العصر الحديث ، ففي ألمانيا وحدها الذي خرج منها الألماني (آدم وايزهاوبت) يوجد أعلى نسبة ممن يمارسون طقوس هذه العبادة بالإضافة إلى أكثر من 7000 شخص يدرسون العلوم السرية للشيطان وفي فرنسا هناك برامج عن عبادة الشيطان وطقوس السحر الأسود .
بدأت حركة الشيطانيين في عام 1966 وقام الكاهن (انتون سيزاندور ليفي) بتأسيس كنيسة الشيطان الخاصة لتمجيد إبليس كآله وهي في الأصل منظمة لممارسي الديانة الشيطانية ولها كتابها الذي يطلق عليه :” الإنجيل الشيطاني” .
رأي المشككين
يعتقد ديفيد يوريس أن “إبليس” لم يكن سوى قصة رمزية وأن التنبؤ في الملاك الساقط كان بسبب فهم خاطئ لترجمة الكتاب المقدس ومثل هذه الأفكار ظهرت على السطح وفي وقت لاحق.
– ويرى (رودولف بولتمان) أن المسيحيين بحاجة إلى رفض الاعتقاد في”إبلي” و الشيطان الحرفي كجزء من ثقافة القرنالـ21 , وقد تم تطوير هذا الاعتقاد من قبل والتر غمزة.
– لا يؤمن رائد علم النفس (سيجموند فرويد) بـ “إبليس” أو الظواهر المتعلقة بالنفس ويرفض فكرة البحث في المجهول فيما وراء المادة في عالم الأرواح.
– ويرى بعض علماء النفس أن الإنسان يسعى للكمال والظهور بأجمل الصفات لهذا يكره صفات الشر التي يفعلها فيقوم بنسبها لكائن أخرى حتى ينزه نفسه.
– ويرى (وليد السخن) بإن إبليس أسطورة رمزية لإخافة بسطاء القلوب من المؤمنين وبأن الشيطان هو نفسه الإنسان لكن له اسماً آخر .
رأي المؤيدين
– يؤمن (جيفري بيرتون روسل) بشخصية الساقط ” إبليس” ويعتقد أن إبليس جزء لا يتجزأ من العهد الجديد وأصوله.
– قام (انطون لافي) بتأسيس الشيطانية عام 1960 حيث يعتقد أن” إبليس” له وجود حقيقي وليس مجرد رمز للفردية.
– ويقول البابا (يوحنا بولس الثاني ): ” لا تزال المعركة قائمة ضد الشيطان وهي المهمة الرئيسية لزعيم الملائكة القديس مايكل ، وذلك لأن إبليس ما يزال حياً وفاعلاً في العالم وهو مصدر الشر الذي يحيط بنا اليوم من الاضطرابات التي يعاني منها مجتمعنا وأن مشاكل الإنسان وتقاعس عزيمته ليست ناجمة فقط عن الخطيئة الأصلية بل ناجمة عن عمل الشيطان أيضاً “.
إبليس في الأعمال الأدبية
جحيم دانتي
في عمل ” جحيم دانتي ” وهو الجزء الأول من الملحمة الشعرية الشهيرة ” الكوميديا الإلهية ” التي كتبها دانتي أليغري بين عام 1308 وحتى وفاته في عام 1321 ) يظهر إبليس بشكل وحش عظيم مجمد في ثلجه في مركز الجحيم وله 3 رؤوس وأسفل كل زوج من الأجنحة التي تشبه جناجي الخفاش. وكلما رفرف بأجنحته ينشر ريحاً باردة من شأنها أن تبقيه مجمداً هو وكل المذنبين في الدائرة التاسعة من الجحيم.
رواية عزازيل
كتب (د. يوسف زيدان) رواية “عزازيل” في عام 2008، وهوخبير في المخطوطات والفلسفة وباحث ومفكر مصري متخصص في التراث العربي المخطوط وعلومه.
– وتتحدث الرواية عن ترجمة لمجموعة لفائف مكتوبة باللغة السريانية، دفنت ضمن صندوق خشبي محكم الإغلاق في منطقة الخرائب الأثرية حول محيط قلعة القديس سمعان العمودي قرب حلب/سوريا. كُتبت في القرن الخامس الميلادي وعُثر عليها بحالة جيدة ونادرة ،وتم نقلها من اللغة السريانية إلي العربية.
– اللفائف الثلاثين عبارة عن سيرة ذاتية للراهب المسيحي المصري (هيبا )،والذي عاش في الفترة المضطربة من التاريخ المسيحي الكنسي في أوائل القرن الـ 5 الميلادي والتي تلتها انقسامات هائلة بين الكنائس الكبرى وذلك علي خلفية الخلاف حول طبيعة المسيح.
– ويقال أن الراهب (هيبا) كتب كتاباً مدفوعاً بطلب من عزازيل أي “الشيطان” حيث كان يقول له : ” أكتب يا هيبا، أريدك أن تكتب، اكتب كأنك تعترف، وأكملْ ما كنتَ تحكيه، كله….”، وأيضاً ” يقول في رده على استفسار هيبا: ” نعم يا هيبا، عزازيل الذي يأتيك منك وفيك “.
– وتتناول كتب الراهب (هيبا) ما حدث له منذ خرج من (أخميم) في صعيد مصر قاصدا مدينة الأسكندرية لكي يتبحر في الطب واللاهوت وهناك تعرض لإغواء (أوكتافيا) وهي أمرأة اسكندرية تعتنق ديناً وثنياً فأحبته ثم طردته حينما علمت بأنه راهب مسيحي، ثم خرج هارباً من الأسكندرية، وبعد 3 سنوات شهد بشاعة مقتل العالمة هيباتيا الوثنية علي يد الغوغاء من مسيحي الأسكندرية بتحريض من بابا الأسكندرية. ثم خروجه إلي فلسطين للبحث عن أصول الديانة واستقراره في أورشاليم (القدس) ولقائه بالقس (نسطور) الذي أحبه كثيرا وأرسله إلي دير هادئ بالقرب من أنطاكية. وفي ذلك الدير يزداد الصراع النفسي داخل نفس الراهب وشكوكه حول العقيدة، ويصاحب ذلك وقوعة في الحب مع امرأة تدعي (ميرتا)، وينهي الرواية بقرار أن يرحل من الدير وأن يتحرر من مخاوفه بدون أن يوضح إلي أين
– أثارت الرواية جدلاً واسعاً وانتقادات بحجة المس بالمعتقدات المسيحية، لكن الرواية تمتاز بلغتها العربية الفصيحة وتناولها فترة زمنية غير مطروقة في الأدب العربي برغم أهميتها.
– ومع ذلك فازت الرواية بالجائزة العالمية للرواية العربية كأفضل رواية عربية لعام 2009. كما نالت الرواية استحسانا كبيراً من قبل النقاد والقراء على حد سواء.
محاكمة لوسيفر
كتب حسن إسماعيل (كاتب من مصر) شعراً عن إبليس ونشره في مدونته ” أيقونتي الباردة ” تحت عنوان ” محكمة لوسيفر أم محاكمة الآلهة ؟ ” ، حيث وصف تمرد إبليس على أوامر الرب بأنها ثورة على الآلهة وبأنه ثورة للإبداع الفني كما يفهم من القصيدة ، وهذا يمكن أن يقصد منه كما يلي : ” اختار إبليس أن يكون حراً وخارجاً عن إرادة الآلهة فوجد إبداعه في تمرده عوضاً عن طاعته لها ولهذا دفع ثمن حريته بعقاب أبدي وهو قدر لا مفر منه لكل متكبر يعتقد أنه بمثابة إله “.
– وهناك بعض الأعمال الأدبية تجسد الشيطان بشخصية البطل مثل بعض الكتب ومنها كتاب (جورج برنارد شو) مارك التي تتبناها إحدى الطوائف الشيطانية.
– وقام الكاتب (علاء الصائغ) بتأليف رواية بعنوان ” مسلة إبليس” عام 2011 وكان لها صداها لدى بعض الكتاب إلا أنها لم تحض بتأييد من معظم رجال الدين لأنها تمس بعض المعتقدات.
مقولات عن الشيطان
1- ” أعظم انتصارات الشيطان أنه استطاع إقناع العالم الحديث بأنه غير موجود ” – (جيفري برتون راسل) مؤلف كتاب ( إبليس : شيطان العصور الوسطى ).
2- ” إذا لم يُخلق الشيطان لكان الإنسان خلقه وجعله على شاكلته وأهوائه ” – (فيودور دوستوفسكي)
3- ” الجحيم هي الوسام الرفيع الذي يقدمه لك الشيطان مقابل خدمتك له ” – (بيلي صنداي)
4- ” تعظم نجاحات الشيطان عندما يظهر واسم الله على لسانه ” – (مهاتما غاندي)
5- ” الشيطان أكثر من يؤمن بقوة الصلاة ليس لأنه يقوم بها بل بسبب ما يعاني منها ” (غاي هـ . كينغ)