عزرائيل : قابض الروح
عزرائيل : قابض الروح
تعددت أسباب الموت من مرض وحادثة أو قتل لكن الموت يبقى (بحسب ما نعرفه) غياب لا رجعة فيه لوعي الكائن يترافق مع وقف الدورة الدموية والتنفس ويعقبه توقف في نشاط المخ القياسي في غضون 40 ثانية على أعلى تقدير .
هكذا يصف العلماء الموت السريري حينما يموت الجسد أو تتعطل وظائفه المعهودة في الحياة ، لكن ماذا يحدث للروح عند الموت أو الإحتضار ؟
رغم أن العلم تناول دراسة “النفس” ووضع نظريات عديدة حولها إلا أنه لا يملك أن يتحدث عن الروح من غير دليل على وجودها ، لكن معظم المعتقدات الدينية أكدت على وجود الروح من دون تحديد طبيعتها وبأن الروح تكون ملتصقة بجسد الكائن طيلة حياته إلى أن تنفصل عنه لحظة الموت لتقيم في عالم آخر .
ولم تكتفي المعتقدات الدينية بذلك فحسب بل وصفت كائنات سماوية تقوم بفصل الروح عن الجسد أو تقبضها عنه لتسافر معها إلى عالم قد يقع في بعد زمكاني آخر، كائنات تعتبر رسلاً لتنفيذ مشيئة الرب أو الله أو الألهة، ومن ضمن تلك الكائنات اشتهر اسم من كبار جنس الملائكة Archangel وهو ” عزرائيل ” وتحديداً في المعتقد اليهودي .
ورغم أن الجنس البشري يتفق على حقيقة الموت إلا أن معتقداته حول من يقوم بمهمة قبض الأرواح تختلف في المسميات والعدد والأوصاف، ونذكر في هذا المقال عدداً من المعتقدات التي تتناول ملك الموت أو قابض الروح وتأثيرها الثقافي :
1- المعتقد اليهودي
(عزرائيل) في المعتقد اليهودي هو ملاك يقيم في السماء الثالثة وله 4 وجوه و 4 ألاف جناح ويتكون كل جسده من العيون والألسنة التي تتطابق مع عدد من الناس الذين يسكنون في الأرض وبأنه أخر من يموت في الكون، وليس هذا فحسب بل لـ عزرائيل مساعد اسمه ( سمائيل ) ، ويوصف عزرائيل أحياناً بـ “ملك الموت” .
ويرجع أصل تسمية (عزرائيل) تحديداً إلى اللغة العبرية وتعني ” عبد الله ” وهي كلمة مركبة من مقطعين أحدهما ” عزرا ” والآخر “إيل” الذي يعني الرب في اللغات السامية القديمة أيضاً، وفي مذاهب التصوف اليهودي يشار إليه باسم (عزرييل) وليس (عزرائيل).
– ووفقاً لتفسير قصص التوراة (أو ميدراش) فقد خلق الرب عزرائيل في اليوم الأول وجعل له مسكن في السماء بحيث يمكنه الوصول إلى الأرض في 8 رحلات وله 12 جناحاً وجسمه ممتلئ بالعيون وفي لحظة الإحتضار يقف عند رأس المحتضر بسيفه المرفوع الذي تلتصق به قطرة من المرارة وعندما يرى الشخص المحتضر الموت يصاب بنوبة تشنج فيفتح فمه فيلقي ملك الموت بتلك القطرة في فمه مما يسبب موته فتصبح رائحته كريهة ووجهه مصفر وعليه علامات الموت، فالتعبير المستخدم ” تجرع الموت” يرجع بالأصل إلى فكرة قطرة المرارة الآنفة الذكر.
– ويعتقد أن الروح تخرج من الفم أو تبقى في الحلق لذلك يقف ملك الموت عند الرأس وعندما تغادر الروح الجسد فإن صوتها يذهب من نهاية هذا العالم إلى إلى طرف عالم آخر من دون أن يسمعه أحد، ووجود السيف مع ملك الموت يشير إلى أنه من المقاتلين الذين يقتلون أبناء البشر، وفي ساعة الموت يسقط الإنسان أمام ملك الموت كما يسقط الوحش أمام ذابحه .
– وتتكهن بعض المصادر بوجود صلة بين عزرائيل والكاهن (عزرا ) الملقب بـ عزرا الناسخ الذي كان قاضياً على شعبه وكانت مهمته تقتضي فرض القانون (بما فيه قانون العقوبات) الذي نسخه بعد تلقيه من (يوريال) وهو أحد كبار الملائكة . ولهذا الكاهن اسم آخر هو (إسدراس) ، ويقال أن عزرا دخل الجنة بدون أن يتجرع الموت لهذا يعتقد بأنه عزرائيل نفسه.
– وفي كتاب الزوهر ( يضم نصوص مقدسة بالنسبة للمتصوفة اليهود – الكابالا ) يصورعزرائيل مشرقة حيث يستقبل صلوات الناس المؤمنين حينما تصل إلى السماء ويقود جيشاً من الملائكة في السماوات :
– ونجد في سفر الملوك الثاني من التوراة أن دورعزرائيل لا يقتصر فقط على قبض الأرواح وإنما يمتد إلى مهام أخرى وهي تنفيذ غضب الرب المتمثل في إهلاك جماعة الناس ، حيث خرج عزرائيل وضرب 185000 من جيش الآشوريين كما في سفر الملوك 2:
” وكان في تلك الليلة ان ملاك الرب خرج و ضرب من جيش اشور مئة الف و خمسة و ثمانين الفا و لما بكروا صباحا اذا هم جميعا جثث ميتة ” (الملوك- 19 – 35).
– ونجد صفة “الملاك المهلك” أيضاً في سفر صموئيل الثاني عند هجومه على أهل القدس (أورشليم) :
” وبسط الملاك يده على أورشليم ليهلكها، فندم الرب عن الشر، وقال للملاك المهلك الشعب: كفى الآن رد يدك. وكان ملاك الرب عند بيدر أرونة اليبوسي ” (صموئيل الثاني – 24 – 16).
– وفي سفر الأخبار 1 نجد أن الملك داوود يرى “ملاك الرب” وهو يقف بين السماء والأرض وفي يده سيف مسلط على مدينة القدس.
– وملائكة ” ميمتيم ” هو جنس من الملائكة التي ترسل لقبض الأرواح وإهلاك من تخلت الملائكة الحارسة عن حمايتهم .
2- المعتقد المسيحي
عزرائيل في المعتقد المسيحي هو أحد أسماء ملائكة الموت ويعزى إليه حدوث الوفاة ، وفي إنجيل برنابا ذكر أن الملاك عزرائيل كان أحد الملائكة الذين حملوا المسيح من نافذة الحجرة التي كانت بجوار بستان جثسيماني وصعد به إلى السماء ، وأن القبض والصلب وقع على يهوذا الذي أرشد جنود الرومان القادمين للقبض على المسيح.
– وفي معتقد الرومان الكاثوليك أن ميكائيل هو ملك الموت الصالح (على عكس سمائيل مساعد عزرائيل ) وهو يحمل أرواح المتوفين إلى الفردوس وهناك يضع أعمالهم في الميزان (أحد رموزه) وقيل أيضاً أنه يمنح المتوفين فرصة لاسترداد أنفسهم قبل مرورهم أيضاً .
– ويعتبر عدد قليل من الناس في المكسيك أن ملك الموت قديس ويعرف بـ سانتا مويرتي لكن تلك الطائفة لم تأخذ مصادقة الكنيسة الكاثوليكية.
الحاصد الكالح
غالباً ما يصور الموت بهيئة هيكل عظمي يرتدي رداء أسود لراهب ويمسك منجلاً يحصد فيه أرواح الناس ويسمى Grim Reaper وتعود هذه الصورة إلى القرن الخامس عشر ، ويوصف أيضاً بأنه ملك الموت Death Angel أو شيطان الموت ، أو ملك النور والظلام كما في الكتاب المقدس، و هذه الصورة النمطية نجدها أيضاً في الثقافة وفي الأفلام.
3- المعتقد الإسلامي
رغم أن اسم عزرائيل اشتهر بين المسلمين على أنه ملك الموت إلا أن هذا الاسم لم يذكر في القرآن الكريم على غرار ما ذكر من أسماء ملائكة آخرين كجبريل وميكائيل وإسرافيل حتى أن الأحاديث المثبتة والمنسوبة إلى أقوال الرسول محمد لم تذكره بالاسم . ومع ذلك يبقى اسم “عزرائيل ” جزءاً من التراث والأدبيات في المعتقدات العامة الإسلامية.
– نجد القرآن الكريم :
” قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ ُترْجَعُونَ ” (السجدة – 11).
قد تدل كلمة (ملك الموت) على اسم جنس لملائكة الموت وليس ملكاً بمفرده ، كأن تقول: ( إنسان آسيا ) فهو اسم جنس مفرد.
– و ورد أيضاً في القرآن الكريم :
” وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون” ( الأنعام – 61)
وفسر ابن مسعود ذلك بقوله : ” إذا انتهت مدة حياة أحدهم كائنا من كان وجاءه أسباب الموت ، توفته رسلنا الآخرون المفوض إليهم ذلك وهم ملك الموت وأعوانه وانتهى هناك دور حفظ الحفظة ” .
ما أشير إليه في القرآن الكريم هو أن ” ملك الموت” هو الملك الموكّل بقبض الأرواح ، ولا يوجد دليل على أن مهمة قبض الأرواح مقتصرة على ملك بعينه رغم أن هذا لا ينفي وجود رئيس لملائكة متخصصة في قبض الأرواح وربما كان هو “عزرائيل” الذي سبق ذكره في الكتب السماوية .
ويتفق المعتقد الإسلامي مع المعتقد المسيحي واليهودي من أن ملك الموت هو آخر المخلوقات والملائكة موتاً وذلك في يوم القيامة.
– ورغم عدم ذكر عزرائيل في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة الصحيحة إلا أنه مذكور في العديد من كتب الفقهاء نذكر منها :
كتاب “النهر الماد ” لـ أبو حيان الأندلسي ، وكتاب “البعث والنشور” لـ الحافظ البيهقي وكتاب ” الشفا بتعريف حقوق المصطفى ” لـ القاضي ، وقد ورد ان اسم ملك الموت عزرائيل في حديث رواه الحافظ الطبراني في كتاب “الطوالات” ، وقد ذكره الإمام القرطبي في كتابه ” الجامع لأحكام القرآن ” عند تفسيره لسورة السجدة – الآية :11
– وقد ذكره جلال الدين السيوطي في كتاب ” الدر المنثور” في تفسير سورة السجدة ما نصه : عن أشعث بن شعيب رضي الله عنه قال:” سأل إبراهيم عليه السلام ملك الموت واسمه عزرائيل “.
– وقال المناوي في كتاب ” فيض القدير شرح الجامع الصغير ما نصه: ” ومِنْ أكابِرِ المَلائِكَةِ إسْرافِيلُ وعَزْرائيلُ علَيهِما السلامُ والأخبارُ كَثِيرَةٌ دَلَّتْ عَلَيْهِما وَثَبَتَ أنَّ عَزْرائيلُ علَيه السلامُ مَلكُ المَوت” .
– وذكر اسم عزرائيل الكاتب إبراهيم الباجوري وفي كتاب ” شرح جوهرة التوحيد” : ” ويفيض الروح رسول الموت أي يخرجها من مقرها الملك الموكل بالموت وهو عزرائيل عليه السلام”.
– وقال العلامة محمد بن أحمد بن إياس في كتاب ” بدائع الزهور في وقائع الدهور” أن عزرائيل موكل بقبض الأرواح من بني آدم وغيرهم كالحيوانات والطيور وكل ذي روح .
قبض الأرواح
1- في القرآن :
” فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين ” (الواقعة – من 83 إلى 87)
ورد في أقاويل الثقات للكرمي في تفسيره للآية القرآنية :
أن المراد فيه هو أن ملائكة الموت أقرب إلى الإنسان من أهله ، وهذا هو المعروف عن المفسرين المتقدمين من السلف. قالوا: ملك الموت أدنى إليه من أهله ، ولكن لا تبصرون الملائكة ، ونحن أي ملائكتنا وعبر بهم عنه سبحانه لأنهم رسله ومأموروه .
وقال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية أن لملك الموت أعوان من الملائكة يخرجون الروح من الجسد فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم .
– وجاء في القرآن الكريم في أول آية من سورة النازعات قسم من الله بنوع من الملائكة تقبض الروح بشدة من أجساد الكفار.
” وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ” (النازعات -1)
وفسرت النازعات على أنها نوع من الملائكة التي تنزعُ أرواحَ الكفار، وتعني كلمة غرقًا أي نزعًا بشدّة أو كما يغرق النازع في القوس فيبلغ بها غاية المد بعد ما نزعها حتى إذا كادت تخرج ردها في جسده فهذا عمله بالكفار، والمراد بالإغراق المبالغة في المد .
وقد فسرها مقاتل : أن النازعات هي ملك الموت وأعوانه ينزعون أرواح الكفار كما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل، فتخرج نفسه كالغريق في الماء .
2- في الأحاديث الشريفة
ورد في الأحاديث كيفية قبض روح المؤمن ، فعن أبي جعفر عليه السلام قال: حضر رسول الله رجلاً من الأنصار وكانت له حالة حسنة عند رسول الله فحضره عند موته ، فنظر إلى ملك الموت عند رأسه ، فقال له رسول الله : إرفق بصاحبي فإنّه مؤمن ، فقال له ملك الموت: يا محمد طب نفساً و قرّ عيناّ فإني بكل مؤمن رفيق شفيق، واعلم يا محمد إني لأحضر ابن آدم عند قبض روحه ، فإذا قبضته صرخ صارخ من أهله ، عند ذلك فأتنحّى في جانب الدار و معي روحه ، فأقول لهم و الله ما ظلمناه ولا سبقنا به أجله ولا استعجلنا به قدره، و ما كان لنا في قبض روحه من ذنب، فإن ترضوا بما صنع الله و تصبروا تؤجروا و تحمدوا، و إن تجزعوا و تسخطوا تُأثموا و تؤزروا، وما لكم عندنا من عتبى، وإن لنا عندكم أيضا لبقية و عودة فالحذر الحذر، فما من أهل بيت مدر و لا شعر في برّ و لا بحر إلاّ و أنا أتصفحّهم في كلّ يوم خمس مرّات عند مواقيت الصلاة، حتى أنا لا علم منهم بأنفسهم، و لو أني يا محمد أردت قبض نفس بعوضة ما قدرت على قبضها حتى يكون الله هو الآمر بقبضها، و إني لملقّن المؤمن عند موته شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله.
– وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما من بيت إلا و ملك الموت يقف على بابه في كل يوم خمس مرات ، فإذا وجد الإنسان قد نفذ أكله و انقطع أجله ألقى عليه غمرت الموت ، فغشيته كرباته و غمرته غامراته…
– وقد نقل ابن كثير في تفسيره أن ملك الموت يتصفّح الخلق واحدا واحدا كل يوم، ويتصفّح أهل كل بيت، وأنه أعلم بهم كبيرهم وصغيرهم من أنفسهم، ينظر متى يُؤمر بقبض كل نفس ليقبضها.
– و روى أبو هدبة إبراهيم بن هدبة قال : حدثنا أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن ملك الموت لينظر في وجوه العباد كل يوم سبعين نظرة . قال : إذا ضحك العبد الذي بعث إليه قال : يقول عجباً بعثت إليه لأقبض روحه و هو يضحك و الله أعلم .
3- في كتب السلف
– في بعض الأخبار ورد أن الله خلق شجرة فرعها تحت العرش مكتوب على كل ورقة من ورقها اسم عبد من عبيده ، فإذا جاء أجل عبدٍ سقطت تلك الورقة التي فيها اسمه في حجر ملك الموت فأخذ روحه في الوقت، وأن الدنيا كلّها بين يدي ملك الموت كالمائدة بين يدي الرجل يمد يده إلى ما شاء منها، فيتناوله و يأكل ملأ الدنيا مشرقها و مغربها برّها و بحرها، و كل ناحية منها أقرب إلى ملك الموت من الرجل علي مائدته، وإن معه أعواناّ، الله أعلم بعدتهم ، ليس منهم ملك إلاّ لو إذن له أن يلتقم سبع السماوات و الأرضين السّبع في لقمة واحدة لفعل ، وأن غصّة من غصص الموت أشد من ألف ضربة بالسيف، و كل ما خلق الله عزّ وجلّ يتركه إلى الأجل، فإنه مؤقت لوفاء العدة و انقضاء المدة.
– وقال زميل بن سماك الحنفي أنه سمع أباه يحدث ولقي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في المدينة بعدما كف بصره قال: قلت: هيه يا ابن عباس ما تقول في أمر غمني واهتممت به ؟ قال: قلت: نفسان اتفق موتهما في طرفة عين ، واحد في المشرق ، وواحد في المغرب كيف قدر عليهما ملك الموت قال: والذي نفسي بيده ما قدرة ملك الموت على أهل المشارق والمغارب والظلمات والنور والبحور إلا كقدرة الرجل على مائدته يتناول من أيها شاء.
– وجاء في بعض الآثار عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال: ” ليس من مؤمن يقبض روحه إلا سلم عليه ” .
– وعن عبد الله بن يونس قال: سمعت الحكم بن عتيبة رحمه الله تعالى يقول: ” الدنيا بين يدي ملك الموت بمنزلة الطست بين يدي الرجل “.
– أن ملك الموت يظهر للمؤمن أبيض الوجه كأن وجهه الشمس معه كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة وأن العبد الكافر تنزل اليه ملائكة غلاظ شداد سود الوجه معهم المسوح من النار .
أوصاف ملك الموت
قال محمد بن أحمد بن إياس في كتابة ” بدائع الزهور في وقائع الدهور” أن عزرائيل صفته كصفة إسرافيل وأنه جالس على سرير في السماء السادسة وله أربع أجنحة ممتدة من المشرق إلى المغرب ويروى أن في سائر جسده عيون ناظرة إلى كل ذي روح فإذا قبض روح أحد عميت منه العين الناظرة إليه ، فإذا ماتت المخلوقات جميعاً ذهبت العيون كلها التي في جسده ولم يبقى إلا عينه فيعلم أنه لم يبقى إلا هو .
– ذكر الأصبهاني في كتاب “العظمة ” ، عن وصف عزرائيل بأنه : ” ملك الموت وله عينان، عين في وجهه، وعين في قفاه ، وأن الدنيا تُركت له مثل الطست يتناول منها حيث شاء ، وأن الدنيا بين ركبتيه وهو جالس” .
وقول بعض علماء الدين أن هذه الصفات في كتاب ” العظمة ” هي أوهام وأساطير العجائز التي تقص على الأحفاد.
مع الأنبياء
1- آدم
وروى عن عكرمة أنه قال : رأيت فى بعض صحف شيث أن آدم عليه السلام قال : ” يا رب أرني ملك الموت حتى أنظر إليه ” ، فأوحى الله تعالى إليه أن له صفات لا تقدر على النظر إليها وسأنزله عليك في الصورة التي يأتي فيها الأنبياء والمصطفين فأنزل الله عليه جبريل و ميكائيل وأتاه ملك الموت في صورة كبش أملح قد نشر من أجنحته أربعة آلاف جناح منها جناح جاوز السموات والأرض وجناح جاوز الأرضيين وجناح جاوز أقصى المشرق وجناح جاوز أقصى المغرب وإذا بين يديه الأرض بما اشتملت عليه من الجبال والسهول والغياض والجن والإنس والدواب وما أحاط بها من البحار وما علاها من الأجواء فى ثغرة نحره كالخردلة فى فلاة من الأرض وإذا له عيون لا يفتحها إلا في مواضع فتحها وأجنحة للبشرى ينشرها للمصطفين وأجنحة للكفار فيها سفافيد وكلاليب و مقاريض فصعق آدم صعقة لبث فيها إلى مثل تلك الساعة من اليوم السابع ثم أفاق وكان فى عروقه الزعفران .
– وعن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لما خلق الله آدم مسح على ظهره ، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور ، ثم عرضهم على آدم ” ، فقال : أي رب ، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء ذريتك ، فرأى رجلا منهم ، فأعجبه وبيص ما بين عينيه ، فقال : أي رب ، من هذا ؟ قال : هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له : داود ، قال : رب ، كم عمره ؟ قال : ستون سنة ، قال : أي رب ، زده من عمري أربعين سنة ، فلما انقضى عمر آدم ، جاء ملك الموت ، قال : أولم يبق من عمري أربعون سنة ؟ قال : أولم تعطها ابنك داود ؟ قال : فجحد فجحدت ذريته ، ونسي آدم ، فنسيت ذريته ، وخطئ آدم ، فخطئت ذريته .
“ربما جحد آدم ذلك لأنه كان في عالم الذر فلم يستحضره الموقف حالة مجيء ملك الموت له فجحد ، فجحدت ذريته لأن الولد سر أبيه فنسى آدم فنسيت ذريته.
2- إدريس
إدريس أو خنوخ هو من أكثر شخصيات الأنبياء أثاره واختلاف فقد ذكر برواية وقصص تختلف عن بعض .
– قال بن كثير في كتاب ” قصص الأنبياء ” أن إدريس كذبوا عليه أشياء كثيرة كما كذبوا على غيره من الأنبياء .
ورد في بعض الروايات في معنى قوله تعالى في ادريس النبي عليه السلام: ” ورفعناه مكانا عليا ” ، هو ان الله عزوجل غضب على ملك من الملائكة فقطع جناحه والقاه في جزيرة من جزائر البحر ، فبقي هناك ما شاء الله. فلما بعث الله ادريس جاءه ذلك الملك وسأله ان يدعو الله ان يرضى عنه ويرد اليه جناحه ، فدعا له ادريس فرد الله جناحه اليه ورضى عنه.
وقال الملك لادريس : ” الك حاجة ؟ ” قال : ” نعم احب ان ترفعني الى السماء حتى انظر الى ملك الموت ، فلا عيش لي مع ذكره ” ، فاخذه الملك على جناحه حتى انتهى به الى السماء الرابعة.
فلما وصل الى السماء الرابعة نظر الى ملك الموت جالس فلما رآهم حرك رأسه تعجبا ، فسلم عليه ادريس فقال له : ” مالك تحرك راسك ؟ ” ، قال : ” ان رب العزة امرني ان اقبض روحك بين السماء الرابعة والخامسة ” .
فقلت : ” يا رب كيف يكون هذا بيني وبينه اربع سماوات وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام ” ثم قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة وهو قوله تعالى : ” ورفعناه مكانا عليا ” .
3- موسى
عن أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ. قَالَ: فَلَطَمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ فَفَقَأَهَا، قَالَ: فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَكَ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي. قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي فَقُلْ: الْحَيَاةَ تُرِيدُ، فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَمَا تَوَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرَةٍ فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَة.ً قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ثُمَّ تَمُوتُ. قَالَ: فَالْآنَ مِنْ قَرِيبٍ رَبِّ أَمِتْنِي مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَر “.
– أخرج هذا الحديث البخاري ومسلم و روى الثعالبي في كتابه ( ثمار القلوب في المضاف والمنسوب ) حيث قال : أن هذا الحديث في أساطير الأولين ، ويضرب مثلا بين الناس ، وقد اشتهر بعد ذلك بين العوام بأن عزرائيل أعور .وقال الثعلبي: ” في هذا الحديث أنا برئ من عهدة هذه الحكاية وقد أعتبر الثعالبي هذه القصة أنها من أساطير الأولين ، وأن فقع عين عزرائيل أسطورة تناقلها العوام فقط .”
– والبعض يرى أن الله لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ وإنما بعثه إليه اختباراً، وإنما لطم موسى ملك الموت، لأنه رأى آدميا دخل داره بغير إذنه، ولم يعلم أنه ملك الموت.
– أو أن موسى لم يعلم أنه ملك من عند الله وظن أنه رجل قصده يريد نفسه، فدافعه عنها، فأدت المدافعة إلى فقء عينه، لا أنه قصدها بالفقء، وتؤيده رواية: (صكه) ، وهذا جواب الإمام أبي بكر بن خزيمة وغيره من المتقدمين، واختاره المازري والقاضي عياض، قالوا: وليس في الحديث تصريح بأنه تعمد فقء عينه, فإن قيل: فقد اعترف موسى حين جاءه ثانيا بأنه ملك الموت, فالجواب أنه أتاه في المرة الثانية بعلامة علم بها أنه ملك الموت، فاستسلم بخلاف المرة الأولى والله أعلم.
4- داوود
كان لداوود عليه السلام جارية تغلق الابواب كل ليلة وتأتيه بالمفاتيح فيقوم الى عبادته ، فاغلقتها ليلة فرأت في الدار رجلاً فقالت : من ادخلك الدار ؟ فقال : انا الذي ادخل على الملوك بغير اذن.
فسمع داوود قوله فقال : ” انت ملك الموت ؟ ” ، قال : ” نعم “، قال : ” فهلا ارسلت الي لاستعد للموت ؟ ” ، قال : ” قد ارسلت اليك كثيرا ” ، قال : ” من كان رسولك ؟ ” ، قال : ” اين ابوك واخوك وجارك ومعارفك ؟ ” ، قال : ” ماتوا” ، قال : ” فهم كانوا رسلي اليك ، لانك تموت كما ماتوا ! ” ، ثم قبضه ، فلما مات ورث سليمان ملكه وعلمه ونبوته.
5- سليمان
قال سليمان بن داوود عليهما السلام ذات يوم لاصحابه : ” ان الله تبارك وتعالى قد وهب لي ملكاً لا ينبغي لاحد من بعدي وسخر لي الريح والانس والجن والطير والوحوش ، وعلمني منطق الطير ، وآتاني من كل شيء ، ومع جميع ما اوتيت من الملك ماتم لي سرور يوم الى الليل وقد احببت ان ادخل قصري في غد ، فاصعد اعلاه وانظر الى ممالكي ، فلا تأذنوا لاحد علي لئلا يرد علي ما ينغص علي يومي ” .
قالوا: ” نعم ” ، فلما كان من الغد اخذ عصاه بيده وصعد الى اعلى موضع في القصر ، ووقف متكئا على عصاه ينظر الى ممالكه مسرورا بما اوتي فرحا بما اعطي.
وبينما هو كذلك اذ نظر الى شاب حسن الوجه واللباس قد خرج عليه من بعض زوايا القصر ، فلما بصر به سليمان عليه السلام قال له : ” من ادخلك الى هذا القصر وقد اردت ان اخلو فيه اليوم ؟ فباذن من دخلت ؟ “
فقال الشاب : ” ادخلني هذا القصر ربه وباذنه دخلت ” ، فقال : ” ربه احق به مني ، فمن انت ؟” قال : ” انا ملك الموت ” ، قال : ” وفيما جئت ؟ ” ، قال : ” جئت لاقبض روحك ” ، قال : ” امض لما امرت به فهذا يوم سروري ، وابى الله ان يكون لي يوم سرور دون لقائه ” .
فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه ، فبقي سليمان عليه السلام متكئا على عصاه وهو ميت ما شاء الله ـ وقيل سنة ـ والناس ينظرون اليه وهم يقدرون انه حي ، وكان الجن كذلك ينظر اليه ويعملون له.
وبعد مدة من الزمن بعث الله عزوجل « الأرضة » فدبت في عصاه ، فلما اكلت جوفها انكسرت العصا وخر سليمان عليه السلام من قصره على وجهه ميتاً.
وزير سليمان
ذكر أن وزيراً جليل القدر كان عند داوود عليه السلام فلما مات داوود صار وزيراً عند سليمان بن داوود فكان سليمان عليه السلام يوما جالساً في مجلسه في الضحى وعنده هذا الوزير فدخل عليه رجل يسلم عليه وجعل هذا الرجل يحادث سليمان ويحد النظر إلى هذا الوزير ففزع الوزير منه فلما خرج الرجل قام الوزير وسأل سليمان .
وقال :” يا نبي الله من هذا الرجل الذي خرج من عندك ؟ قد والله أفزعني منظره ؟ “
فقال سليمان : ” هذا ملك الموت يتصور بصورة رجل ويدخل علي ” ، ففزع الوزير وبكى.
وقال : ” يا نبي الله .. أسألك بالله .. أن تأمر الريح فتحملني إلي أبعد مكان إلى الهند ” ، فأمر سليمان الريح فحملته .
فلما كان من الغد دخل ملك الموت على سليمان يسلم عليه كما كان يفعل.
فقال له سليمان : ” قد أفزعت صاحبي بالأمس , فلماذا كنت تحد النظر إليه ؟! “
فقال ملك الموت : ” يا نبي الله.. إني دخلت عليك في الضحى وقد أمرني الله أن أقبض روحه بعد الظهر في الهند فعجبت أنه عندك ! “.
قال سليمان : ” فماذا فعلت ؟! “.
قال ملك الموت : ” ذهبت إلى المكان الذي أمرني بقبض روحه فيه فوجدته ينتظرني فقبضت روحه ” .
6- محمد
ذكرت أحد الأحاديث المنسوبة إلى محمد رسول الله أن ملك الموت من بين ما رآه محمد رسول الله لما عرج به إلى السماء في معجزة ليلة الإسراء والمعراج حيث وصفه : ” رأيت ملكاً عظيم الخلقة والمنظر قد بلغت قدماه تخوم الأرض السابعة ورأسه تحت العرش وهو جالس على كرسي من نور والملائكة بين يديه وعن يمينه وعن شماله ينتظرون أمر الله تعالى عز وجل ، وعن يمينه لوح وعن شماله شجرة عظيمة إلا انه لم يضحك أبداً.
فقلت يا أخي يا جبريل من هذا ؟ قال جبريل: هذا هادم اللذات ومفرق الجماعات ومخرب البيوت والدور ومعمر القبور وميتم الأطفال ومرمل النساء ومفجع الأحباب ومغلق الأبواب ومسود الأعتاب وخاطف الشباب هذا ملك الموت عزرائيل فهو ومالك الخازن النار لا يضحكان ابدأ ادن منه وسلم عليه.
فدنوت منه وسلمت عليه فلم يرد السلام فقال له : ” لم ترد السلام على سيد الخلق وحبيب الحق ؟! ” ، فلما سمع كلام جبريل وثب قائماً ورد السلام وهنأني بالكرامة من ربي وقال : ” ابشر يا محمد فان الخير فيك وفي أمتك إلى يوم القيامة ” ، فقلت : ” يا أخي يا عزرائيل هذا مقامك ؟ ” ، قال : ” نعم منذ خلقني ربي إلى قيام الساعة ” ، فقلت : ” كيف تقبض الأرواح وأنت في مكانك هذا ؟ ” .
قال : ” إن الله أمكني من ذلك وسخر لي من الملائكة خمسة ألاف أفرقهم في الأرض فإذا بلغ العبد اجله واستوفي رزقه وانقضت مدة حياته أرسلت له أربعين ملكاً يعالجون روحه فينزعوها من العروق والعصب واللحم والدم ويقبضونها من رؤوس أظافره حتى تصل إلى الركب ثم يريحون الميت ساعة ثم يجذبونها إلى السرة ثم يريحونه ساعة ثم يجذبونها إلى الحلقوم فتقع في الغرغرة فأتنا وها وأسلها كما نسل الشعرة من العجين فإذا انفصلت من الجسد جمدت العينان وشخصتا لانهما يتبعان الروح فأقبضها بإحدى حربتي هاتين ” ، وإذا بيده حربة من النور وحربة سخط فالروح الطيبة يقبضها بحربة النور ويرسلها إلى عليين والروح الخبيثة يقبضها بحربة السخط ويرسلها إلى سجين وهي صخرة سوداء مدلهمة تحت الأرض السابعة السفلى فيها أرواح الكفار والفجار.
قلت : ” وكيف تعرف حضر اجل العبد أم لم يحضر ؟ ” ، قال : ” يا محمد ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب ينزل منه رزقه و باب يصعد إليه عمله وهذه الشجرة التي عن يساري ما عليها ورقة إلا عليها اسم واحد من بني ادم ذكور وإناثا فإذا قرب أجل الشخص اصفرت الورقة التي كتب عليها اسمه وتسقط على الباب الذي ينزل منه رزقه ويسود اسمه في اللوح فأعلم أنه مقبوض فأنظر إليه نظرة يرتعد منها جسده ويتوعك قلبه من هيبتي فيقع في الفراش فأرسل إليه أربعين من الملائكة يعالجون روحه وذلك قوله تعالى : ” حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون “.
قلت : ” يا أخي يا عزرائيل ارني صورتك التي خلقك الله عليها وتقبض فيها الأرواح ” ، قال : ” يا حبيبي لا تستطع النظر إليها فقلت أقسمت عليك إلا فعلت ” ، وإذا بالنداء من العلي الأعالي : ” لا تخالف حبيبي محمد ” ، فعند ذلك تجلى ملك الموت في الصورة التي يقبض فيها الأرواح قال النبي صلى الله عليه وسلم فلما نظر ملك الموت إلي وجدت الدنيا بين يديه كالدرهم بين يدي أحدكم يقلبه كيف يشاء ارتعد قلبي ورجف منه فوضع جبريل يده على صدري فرجعت روحي إلي وعقلي فقال جبريل : ” يا محمد ما بعد القبر إلا ظلمة القبر ووحشته وسؤال منكر ونكير ” ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” فودعته “.
– لكن بعض الفقهاء يميل إلى بطلان الحديث المذكور أعلاه مسنتدين في ذلك إلى أنه لم يصحّ في ذِكر اسم ملك الموت حديث وأنه لا يصحّ أن اسمه عزرائيل ، لكن اعتبرت تسمية مَلَكيّ السؤال في القبر ( مُنكر ونكير ) ثابتاً.
القصة التي أبكت وأضحكت ملك الموت
ورد في بعض الآثار إن الله أرسل ملك الموت ليقبض روح امرأة من الناس ، فلما أتاها ملك الموت ليقبض على روحها وجدها وحيدة مع رضيع لها ترضعه وهما في صحراء قاحلة ليس حولهما احد ، وعندما رأى ملك الموت مشهدها ومعها رضيعها وليس حولهما احد وهو قد أتى ليقبض روحها ، هنا لم يتمالك نفسه فدمعت عيناه من ذلك المشهد رحمة بذلك الرضيع ، غير أن أمر ربه تم وهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .
ومرت السنوات وقد أرسله الله سبحانه وتعالى ليقبض روح رجل من الناس فلما اتى ملك الموت الى المأمور بقبض روحه وجده شيخاً طاعناً بالسن متوكئاً على عصاه يقف عند حداد ويطلب من الحداد ان يصنع له قاعدة من الحديد يضعها أسفل عصاه ، حتى لأتحته الأرض ويوصي الحداد أن تكون هذه الحديدة قوية لتبقى عصاه وتعمر معه سنوات طويلة ، عندها لم يتمالك نفسه ملك الموت ضاحكا ومتعجبا من شدة تمسك وحرص هذا الشيخ ، وطول أمله بالعيش بعد هذا العمر المديد ولم يعلم انه لم يبقى من عمره لحظات.
فأوحى الله إلى ملك الموت قائلاً : ” فبعزتي وجلالي أن الذي أبكاك هو الذي أضحكك ” ، سبحانك ربي ما أرحمك وما أعدلك ، نعم ذلك الرضيع الذي قبض ملك الموت روح أمه وأبكاه ، هو نفسه ذلك العجوز الذي أضحكه من حرصه وطول أمله في الحياة .
موت ملك الموت
ملك الموت يكون آخر من يموت بعد أن يقبض الأرواح جميعاً ومن بينهم الملائكة أجمعين .
فيسأل الله ملك الموت : ” من بقي يا ملك الموت ؟ ” ، وهو اعلم فيقول : ” مولاي وسيدي أنت اعلم بمن بقي ، بقي عبدك الضعيف ملك الموت” ، فيقول الجبارعز وجل : ” وعزتي وجلالي لأذيقكن ما أذقت عبادي انطلق بين الجنة والنار ومت ” ، فينطلق بين الجنة والنار فيصيح صيحة لولا أن الله تبارك وتعالى أمات الخلائق لماتوا عن آخرهم من شدة صيحته فيموت.
ثم يطلع الله تبارك وتعالى إلى الدنيا فيقول: ” يا دنيا أين أنهارك أين أشجارك و أين عمارك ؟ أين الملوك وأبناء الملوك وأين الجبابرة و أبناء الجبابرة ؟ “
” أين الذين أكلوا رزقي وتقلبوا في نعمتي وعبدوا غيري ؟ لمن الملك اليوم ؟ ” ، فلا يجيبه أحد فيرد الله عز وجل فيقول : ” الملك لله الواحد القهار”.
فذلك قوله: ” كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ” (الرحمن – 26).
وذلك قوله تعالى: ” كل شيء هالك إلا وجهه ” (القصص- 88 ).
تفسير الأحلام
في كتاب تفسير الاحلام لابن سيرين وحول رؤية ملك الموت نجد :
– من رأى ملك الموت عليه السلام مسروراً مات شهيداً فإن رآه باسراً ساخطاً مات على غير توبة. ومن رأى كأنه يصارعه فصرعه مات ، فإن لم يكن صرعه أشرف على الموت ثم نجاه الله وقيل (من رأى) ملك الموت طال عمره.
– وفي تفسير الأحلام للظواهري نجد :
من رأى ملك الموت فليستعد للموت ، وإن كان هناك عليل يدل على موته ، وربما دل على عدو قاصد فليعتبر بسوء أحوال الرؤيا وما تدل عليه من صلاح وفساد ومن رأى يقبله فيدل ذلك على حصول ميراث وقيل تدل على تفرق جماعة أو حدوث أمر مكروه.
معتقدات أخرى
1- معتقد الإغريق
صور الإغريق القدامى الموت كأمر لا مفر منه، وبالتالي لم يعتبر شر.محض، إذ غالباً ما يصور على أنه رجل ملتح ومجنح أو على صورة صبي صغير في بعض الأحيان ،
ويعتبر الموت أو الإله ” ثاناتوس” نقيض الحياة وهو مصور بجنس ذكر بينما صورت الحياة كأنثى ، ولـ ثاناتوس أخ توأم اسمه ” هيبنوس” وهو إله النوم. وكانت مهمة ثاناتوس نقل المتوفين إلى العالم السفلي الذي يرأسه الإله “هايدس”، تبدأ مهمته بتسليم المتوفى إلى “خارون” الذي بدوره ينقل المتوفى في مركبه على نهر أخيرون الذي يفصل بين ضفة أرض الأحياء وضفة أرض الأموات. وقيل أن لم يقبض “خارون” بعض المال فإنه لن ينقل نفس المتوفى إلى العالم السفلي فتبقى على جوانب النهر لمئات السنين.
لثاناتوس أخوات أيضاً يدعون “كيريس” وهي أرواح الموت العنيف أو المأساوي الذي له صلة بالموت في المعارك أو المرض أو الحوادث أو القتل. حيث تصور كشيطانات يتغذين على دماء الجثث بعد تسليمنها إلى (هادس) ، ولهن مخالب وأنياب وملابسهم مدماة.
في الصورة نجد تجسيداً لـ ثانتوس كشاب مجنح – 325-300 قبل الميلاد في معبد ارتيميس.
2- المعتقد الهندوسي
https://3.bp.blogspot.com/-L1Vj9B_92yI/T6RuUBXBktI/AAAAAAAAEO8/_Y07wmjI6Qc/s1600/MikhailVrubel_Azrail.jpg
تذكر النصوص الهندوسية ياما أو ياماراج والتي تعني حرفياً ” إله الموت ” ، حيث يركب (ياماراج) جاموساً أسود ويحمل أنشوطة معقودة ليقبض النفس إلى عالمه الذي يدعى “يامالوك” وهو عالم الأموات السفلي .
ومع ذلك هناك أشكال متعددة من القابضين على الأرواح يقول بعض الهندوس أنه شخص واحد لكنه يتنكر بشكل طفل صغير.
ولدى (ياماراج) مساعدين يطلق عليهم اسم (يامادوتس) ، وهم مسؤولون عن نقل الأرواح إلى (ياملوك) ، وهناك تسجل كل أعمال الإنسان الجيدة والسيئة من قبل “شيتراغوبتا” ، وعند وزنها في الميزان يقرر (ياماراج) فيما إذا الكانت الروح ستقيم في الحياة المقبلة مستندة إلى نظرية تناسخ الأرواح أو التقمص.
وتشير كذلك النصوص البوذية إلى (ياما) أو (ياماراج) على نحو مشابه.
في الصورة رسم يوضح ياما- بنتا إله الموت الهندوسي وهو يترأس محكمته في الجحيم .
3- معتقد السيخ
ورد في الكتب المقدسة لطائفة السيخ من تأليف الزعيم (غورو) ( ناناك دف جي) أن الله يرسل عزرائيل فقط إلى غير المؤمنين أو غير النادمين على خطاياهم ، ويصورن عزرائيل على الأرض بهيئة بشرية ويضرب الآثمين بمنجله على رؤوسهم لقتلهم وفصل أرواحهم عن أجسادهم ، ثم يأخذ أرواحهم إلى الجحيم . ويتأكد من أنهم نالوا الجزاء بعد أن يحاكموا من قبل القضاة (واهيغورو) ، وعلى نحو مغاير من المعتقدات الأخرى تتجاوز صورة عزرائيل مهمته في قبض الأرواح لتشمل الإنتقام أيضاً.
4- التراث البولندي
يصور الموت في بولندا بهيئة تشبه الصورة التقليدية لـ الحاصد الكالح ولكنه برداء أبيض بدلاً من الأسود .
5- تقليد البربر
لدى الريفيون ( سكان شمال المغرب المقيمين في منطقة الريف ) تقليد يقوم على حلاقة شعر الرأس بأكمله لكن مع ترك خصلة شعر واحدة يبقونها معلقة إلى هامة الرأس من جهة اليمين أو اليسار ويعتقدون أن ذلك يمكن الملك عزرائيل من سحبهم إلى الجنة في يومهم الأخير.
التأثير الثقافي
استخدم العديد من الكتاب والشعراء والفنانين والموسيقيين عزرائيل كشخصية في أعمالهم على مرالعصور لإستحضار مجموعة متنوعة من المعاني و المشاعر في ذهن المتلقي، إذ غالباً ما وظفوا اسمه كتأثير ثقافي .
– في رواية ليغيا Ligeia لـ رائد أدب الرعب ( إدغار ألان بو ) نجد أن زوج ( ليغيا ) يكافح يائساً لإنقاذ روحها مع عزرائيل المتجهم ، ونجد في روايته ” رؤى ساحرة ” Mesmeric Revelation أن جثة شخص مشى في نومه مطبوع عليها يد عزرائيل.
– برزعزرائيل في تصور الفنان الروسي (ميخائيل فروبيل) وهو من أتباع مدرسة الفن الرمزي – (شاهد اللوحة ).
– كتب الشاعر المكسيكي (امادو نيرفو) قصيدة بعنوان “عزرائيل”.
– استخدمت شخصية عزرائيل في مسرحية لـ ( آرثر ميلر) حملت عنوان ” خلق العالم وأعمال أخرى ” .
– وفي الموسيقى قام الملحن التشيكي (جوزيف سوك) بعمل سيمفونية أطلق عليها اسم عزرائيل و يرجع تاريخها إلى عام 1906.
– في عام 1923 أنهى الفنان هيرمان ماتزين منحوتة أطلق عليها اسم ملاك الموت المظفر Angel Death Victorious (حسب زعمه) لتقف شاهدة لقبر رجل الأعمال فرانسيس هاسيروت – شاهد العمل وإقرأ المزيد هنا .
– وفي فيلم (دوغما) أي العقيدة جسد ( جيسون لي) شخصية عزرائيل كشيطان ووحي قادم من السماء.
– ونجد شخصية “عزرائيل أمير الجحيم ” في رواية The Plague Lord أو ” أمير الوباء” أو الطاعون.
نائب عزرائيل
هي اسم رواية للكاتب المصري يوسف السباعي تتحدث عن شخص أخذت عن طريق الخطأ إلى الدار الآخرة فتولى منصب نائب عزرائيل ـ أي نائب ملك الموت بحسب اعتقاد الكاتب ، وتتوالى الأحداث المشوقة في القصة تباعاً.
وفي القصة طابع فكاهي زائد وان كانت مثيرة بشكل رائع ولا يخفى أن الفكرة التي انطلق منها الكاتب ذات طرح جديد يختلف كثيراً عما اعتدناه من روايات عربية ، حيث صور المؤلف عزرائيل على أنه ملاك جميل وذو حسن على نقيض ما تخيله الكثيرون عن هيئته المخيفة والمرعبة ، وفي الرواية يقع عزرائيل (ملاك الموت) بالحب و تتوالى الأحداث الشيقة .