مملكة الشيطان
مملكة الشيطان
الشخصية التي منحها الله تعالى خلوداً دنيوياً حتى قيام الساعة ، تلك الشخصية التي تتمتع بقوى غيبية مجهولة يستمد منها السحرة والمشعوذين قواهم وقدراتهم المزعومة، الشخصية التي تخوض حرباً ضروساً لا هوادة فيها ضد النور والإيمان، أين يمكن أن تكون ؟ وهل من الممكن أن يكون مكانها مجرد أبعاد قياسية عادية تسري عليها قوانين الطول والعرض والارتفاع والزمن ؟ وهل أصاب الخيال البشري حين جعل مكان الشيطان هوالجحيم ذاته باعتباره ملكاً عليه ؟ أم هل أصاب حين جعله سيدا لعالم من الملذات والمسرات الأ رضية ؟ وفي كلا الحالتين ، أين توجد مملكة الشيطان ؟
أين توجد مملكة الشيطان ؟
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة “
فالحديث الشريف هنا ينص صراحة على أمرين في غايةالأ همية : الأول هو أن إبليس صاحب عرش كعروش الملوك ، والأمر الثاني هو أنه يبعث ( سرايا ) أي أنه كالقائد الحربي الذي يرسل فرقاً واستطلاعات في مهمات محددة ، وهو الأ مر الذي يستدعي تنظيماً خاصاً لهذه السرايا وتعيين قواد و وزراء ومبعوثين. . . الخ .
– كما أن الحديث ينص على أن إبليس يضع عرشه على الماء، فأين هذا الماء ؟ وهل يصلح أى مسطح مائي ليكون مستقراً لعرش إبليس ؟ أم أنه مكان بعينه محيط أو بحر معين – لم ينص عليه الحديث الشريف ؟في الحقيقة لم يخصص صراحة بحراً أو محيطاً بعينه ليكون هو المكان المحدد لعرش إبليس ، غير أنة قد ذكرت عدة روايات تفيد أن هذه المسألة ليست حكراُ على إبليس وحده وإنما قد يشترك معه فيها بعض أبنائه أو بناته من ذوي النفوذ ،
حيث روى محمد بن اسحق النديم فى كتابه الشهير ” الفهرست ” في سياق تفسيره لمصدر قدرات السحرة الذين يستعينون بالشياطين :” فأما الطريقة المذمومة وهي طريقة السحرة ، فزعم من يخبر ذلك أن ( بيذخ ) ابنة إبليس ، وقيل هى ابنة ابن إبليس وأن لها عرشاً على الماء وأن المريد لهذا الأمر متى فعل لها ما تريد ، وصل إليها وخدمته ما يريد وقضت حوائجه ولم يحتجب عنها . والذي يفعل لها القرابين من حيوان ناطق وغير ناطق وأن يدع المفترضات ويستعمل كل ما يقبح فى العقل استعماله وقد قيل أن ( بيذخ ) هو إبليس نفسه . وقال آخر : إن (بيذخ ) يجلس على عرشها . فيحمل إليها المريد لطاعتها فيسجد لها ( تعالى الله وتقدست أسماؤه) وقال لي إنسان منهم أنه رآها في النوم جالسة على هيئتها فى اليقظة وأنه رأى حولها قوماً يشبهون النبط سوادية ، حفاة مشققى الأعقاب .
ويبدو أن جميع الأماكن التي يندر وجود البشر فيها تصلح مستقراً لمملكة الشيطان ؟ حيث ينص الكتاب المقدس /العهد الجديد على أن الشيطان هو رئيس قوات ومملكة الهواء / الجو فنقرأ في ” رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس ” في الإصحاح الثاني الآية الثانية : ” التي سلكتم فيها قبلاً حسب دهر هذا العالم حسب رئيس سلطان الهواء الروح الذى يعمل الآن فى أبناءالمعصية ” بل إن النظرة المسيحية تسحب سلطان إبليس لكي يغطي العالم كله ، على اعتبار أن هذا العالم الدنيوي هو مستقر الشرور والآلام فى مقابل عالم الآخرة الذي هو مستقر النعيم الحقيقي ؟حيث يورد إنجيل يوحنا الإصحاح 12 ، آية 31 ، مشهداً ليوم القيامة / يوم الدينونة حين ينهزم الشيطان ويطرد : ” ” الآن دينونة هذا العالم . الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجاً ) . وهذه النظرة التي ترى في إبليس رئيساً لهذا العالم هي التي توضح معنى ما حدث بين الشيطان وبين السيد المسيح ، حين أراد الشيطان أن يغويه ويضله عن أمانة الرسالة التي يحملها فعرض عليه أن ينصبه ملكاً على جميع ممالك العالم ، وهو الأمر الذي لن يحدث ما لم يكن إبليس متملكاً لها في الأصل .ورد ذلك في “إنجيل متى” – الإصحاح الرابع والآيات من 1 إلى 11
هذا في الوقت الذي نصت فيه العديد من الأ شعار والمعتقدات الشعبية الأوربية ، بل وبعض كتب السحر على أن عرش إبليس يقع فى أقصى الشمال الجغرافي للأرض ، ولذلك كان الشمال دائماً مرتبطاً بالشر فى أذهان الكثير من الناس .
ومع تأمل المفاهيم السابقة التي وردت سواء ضمن نصوص مقدسة أو كمفاهيم شائعة نستخلص بصفة عامة أن المملكة الشيطانية ذات طابع أرضي مرتبط بهذا العالم الذي نعيش فيه ، وذلك على الرغم من إختفائها واختفاء سكانها عن الأنظار ، كما نستخلص أن هذه المملكة على شيئ كبير من النفوذ والقوة الأمر الذي يمكن كبار شياطينها من إمداد السحرة والمتقربين إليهم بقوة تدميرية – فضلا عن العرض الذي عرضه الشيطان على السيد المسيح بإعطائه ملك العالم – وهو الأ مر الذى يتضح أيضاً من إمكانات الشيطان في تطويع سطح الماء كمستقر لعرشه .
كما نخلص أيضاً إلى أن الأماكن التي تتميز بندرة الوجود البشري كالبحار وجو السماء وأقصى الشمال هي الأ ماكن المثالية لوجود مملكة الشيطان .
مجتمع المملكة الشيطانية
تعددت التصورات التى جعلت من كيانات قوى الشر الغيبية مجتمعأ له قوانينه وتقسيماته المهنية ورتبه ووظائفه وقواده وملوكه . وقد جعلت الكنيسة من كل إله قديم شيطانأ ولكن كان ينقصهم التدرج الهرمي
.وشيئأ فشيئآ بدأت التصورات المتعلقة بتدرج المجتمع الشيطاني كما هي معروفة الآن تتضح فى المخيلة الأوروبية مساهمة في تكوين علم الديمونولوجي Demonology بشكل شمل كل ما يمكن أن يتعلق بعالم هذه الكيانات الشريرة الغيبية.
وفي القرن السادس عشر، ظهر في ألمانيا كتاب مؤلف باللغة اللاتينية بعنوان بسيودو موناركيا دايمونيو Psudo Monarchia Daemonum يحتوي على على صفات وأسماء69 شيطاناً كتصور لمجتمع شيطاني أولي . ويعتبر هذا المؤلف أكثر المؤلفات شهرة من نوعه حتى كان عام 1863 : حيث ظهر كتاب القاموس الجهنمي Dictionaire Infernal في فرنسا على شكل مجموعة لوحات مطبوعة نفذها الحفار الفرنسي كوليندي بلانسى ( 1794 – 1881 ) معتمداً على مجموعة من الرسوم التوضيحية التى رسمها المتصوف الفرنسي لويس بيرتون ( 1785- 1849) ونشرت المجموعة مع وصف مختصر فى كتاب ” القاموس الجهنمي ” وقد طبع الكتاب باللغة الفرنسية وتجددت طباعته عدة مرات خلال القرن التاسع عشر . وقد احتوى القاموس الجهنمي على 69 لوحة حفر يمثل كل منها شيطانآ معينآ ويمثلون فى مجموعهم سادة العالم الشيطاني ،فظهر لوسيفر Lucifer مبراطور العالم السفلي وبعلزبوب Beelzebub الامير و “عشتروت ” Ashtarot الدوق الاكبر ولوسيفوج Lucifug رئيس الوزارء وساتاناشيا Satanachia Nebiros قائد المعسكر وعشرات غيرهم. ولكل منهم علاماته و رموزه وإبتهالاته. – الصورة تبين مجموعة من الرسومات التي تمثل الشياطين في القاموس الجهنمي.
سادة الظلام
بالطبع لم تقتصر المملكة الشيطانية على المجموعة السابق ذكرها، فقد حوت في تكوينها ملايين الأ فراد المقسمين إلى مراتب وتخصصات ، والذين يتميز كل منهم بسمات شكلية وأخلاقية معينة وبقدرات وطاقات ومواهب لا يشترك معه فيها غيره.إلا أن بعض هؤلاء نالوا الشهرة أكثر من غيرهم وذلك لعدة أسباب منها :- ورود ذكرهم فى سياق نص الكتب السماوية المقدسة .
– كون بعضهم من آلهة الحضارات القديمة وأوثانها وتحولهم إلى أبالسة بتأثير قدوم الديانات السماوية ، مع استمرار إسناد أدوار الإفساد والغواية إليهم .
– ورود بعضهم كشخصيات رئيسية فى صلب أعمال أدبية شهيرة ساعدت على انتشار شهرتهم بالتبعية .
– ارتباط بعضهم بأدوار محددة فى أعمال السحر كما تراها كتبه ومؤلفاته ، وبالتالي انتقالهم إلى حيز الشهرة بتأثير تداول هذه الكتب والمؤلفات .
من أشهر هؤلاء الأبالسة : لوسيفر / حامل الضياء و بليعال شيطان الفساد ، و مفيستوفيليس شيطانة الغواية ولوياتان تنين أعماق المياه المظلمة .
1- لوسيفر Lucifer
حامل الضياء من أسماء الشيطان التى دخلت في الدلالات اللغوية اسم لوسيفر Lucifer أو حامل الضياء، وهو في أصله اللاتيني يعني اسم كوكب الزهرة (نجمة الصباح والمساء) ، في بادئ الأمر لم يكن لذلك الاسم دلالة سيئة ولكنه جاء فى كلام النبي أشعياء فى معرض التبكيت لملك بابل الذي سمى نفسه بكوكب الصباح ، وفهم الحواريون من كلام السيد المسيح أنه رأى الشيطان كنجم سقط من السماء ، إن المقصود هو الزهرة وإنه كناية عن الخيلاء التي تقود صاحبها إلى السقوط . ويذكر سفر الرؤيا على لسان السيد المسيح أن إبليس تحدث عن نفسه فقال : “أنا كوكب الصبح المنير”. وإذا وصف إنسان اليوم بأنه شبية لوسيفر فالمفهوم من هذ الوصف ، أنه يلمع ويتخايل باللمعان ويبلغ من العجب به حد السماجة والصفاقة، فهو الخطيئة الساطعة أو الخيلاء المتبجحة ، ومن كان كذلك فسقوطه أمل يود الناس أن يتحقق ،ولا يشعرون له بالرثاء الذي يصاحب المجد النهار وهو الشيطان الذي ذكرته ” أعمال الرسل ” على اعتبار أنه قادر هو وأتباعه على التشبه بملائكة النور .
كما ورد ذكره فى ملحمة ” الكوميديا الإلهية ” الشهيرة باسم لوتشيفيرو ، حيث كان مستقره هو مركز الجحيم المظلم في كهف بارد ملىء بالثلوج.
2- بليعال Belial
بليعال شيطان الفساد ويتضمن اسمه معنى وظيفته ومصيره :، فمن المعتقد أن هذه الكلمة مكونة من كلمتين عربيتين أولهما بمعنى ” بلا ” أو ” بدون” والثانية بمعنى فائدة فيكون معنى الكلمة : ” بلا فائدة ” ، أي ” لا نفع فيه ” . وفي التلمود يعتبرونها كلمة مرعبة بمعنى ” بدون نير ” وإن كان الكثيرون لا يقبلون هذا التفسير . ويرى آخرون أنها تعني من طرح عنه نير السماء . وهكذا أصبح جامحأ بلا قانون أو خارجأ عن القانون ، وسواء كان الرأي الأول أو الثاني فإنهما يؤديان نفس المعنى وهو البعيد عن رحمة السماء أو رحمة الرب بسبب الخروج عن دائرة الدين . وفي الكتابات اليهودية في العصور المتأخرة أصبحت كلمة بليعال تستخدم علمأ على الشيطان وتطلق كذلك على المسيح الدجال .
3- مفيستوفيليس Mephistopheles
هو شيطان الغواية والداهية الذي لعب دورا ً أساسياً فى رواية ” فاوست ” العمل الأشهر لأديب ألمانيا “غوته ” .
ويقال أن كلمة ” مفيستوفيليس” أنها مأخوذة من كلمة يونانية مركبة تفيد كراهية النور ولكن متفق على ان أصلها القديم مستمد من السحر البابلي الذي سرى إلى العرب على أيدي اليهود واليونان ، مفيستوفيليس هي ذهنية موسومة بعيوب الذهن في أسوأ حالاته من السخرية والاستخفاف والزراية بالمثل العليا واستباحة كل شىء بالحيلة والمكر والدهاء ء فهو ذهن يصنع الشر لأ نه لا يبالي الشر والخير على السواء ، وإذا طلب له الخير فعله غير مغتبط بغعله ، كما أنه يفعل الشر ولا يلوم نفسه عليه.، و قد كان مفيستوفيليس فى القرون الوسطى شيطان السحر والمعرفة السوداء ، وكان رجال الدين يتخذونه مثالأ للعلماء الكفار الذين غرتهم المعرفة الدنيوية فانصرفوا إليها وشغلوا بها عن معارف الدين .
4- لوياتان Leviathan
كان لوياتان في الأصل وحشاً مخيفاً في الأ ساطير الفينيقية واسمه يعني ” الملتوي على نفسه” ، انتقل بعد ذلك ليتجسد فى الأ ساطير الكنعانية في شخص ” لوتان ” الوحش ذو السبعة رؤوس كما انتقل إلى شخص تيامات Tiamat في الأساطير الرافدية . وهو في العهد القديم يمثلالتنين الذي يصرعه الإله يهوة Yahweh، وكان فكاه أحياناً يمثلان بوابتي الجحيم وقد ورد وصفه فى العهد القديم كالآتي: ” أتصطاد لوياتان أو تضغط لسانه بحبل . أتضع أسله فى خطمه أم تثقب فكه بخزامة . . . . . . ليس من شجاع يوقظه فمن يقف إذاً بوجهي . من تقدم منى فأوفيه . ما تحت كل السموات هو لي . لا أسكت عن أعضائه وحبر قوته وبهجة عدته . من يكشف وجه لبسه ومن يدنو من مثنى لجمته . من يفتح مصراعي فمه . دائرة أسنانه مرعبة فخذه مجان مانعة محكمة مضغوطة بخاتم . الواحد يمس الآخر فالريح لا يدخل بينها . كل منها ملتصق بصاحبه متلكدة لا تنفصل . عطاسه يبعث نورأ وعيناه كهدب الصبح . من فيه تخرج مصابيح . شرار نار تتطاير منه من منخريه يخرج دخان كأنه من قدر منفوخ أو من مرجل . نفسه يشعل جمرأ ولهيب يخرج من فيه . في عنقه تبيت القوة وأمامه يدوس الهول ….